شعار قسم مدونات

هل العالم في حاجة إلى رسول جديد؟

quran
إن الله أنزل آدم إلى الأرض وأنزل معه إبليس ليتحدى الله في إغواء آدم وذريته، وأنزل الله معالم الهدى على آدم (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)، وتكاثرت ذرية آدم وانتهى بهم خط الانحراف إلى نسيان الهدى، فأرسل الله إليهم نوح عليه السلام ليأمرهم بالعودة إلى صراط الله المستقيم. وهكذا توالت رسل الله إلى الخلق حتى ختمهم الله بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. 
وربما ألمحنا هنا للإجابة عن سؤال: متى يرسل الله إلى الناس رسولاً برسالة؟ ما اللحظة التي يتدخل الإله في خط سير البشرية بإرسال رسول؟ ربما تتعدد الأسباب الثانوية كالإصلاح الاجتماعي أو الأخلاقي أو الاقتصادي أو السياسي… إلخ، ولكن ما السبب المحوري والجوهري الذي من أجله يرسل الله الرسل؟ حتى مع تضافر كل الأسباب الثانوية ووجودها لا يمكن اعتبار إرسال الرسول أمرا حتميا إلا بوجود هذا السبب؟ إنه خلل العقيدة المفضي إلى انسحاب صورة الإله من العقل الإنساني.

إنه ما جاء رسول إلى قومه وكانت محور رسالته الإصلاح السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الاقتصادي، بل محور رسالة كل الرسل من نوح حتى محمد هو (قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ). هذا المحور العقدي هو السبب المحوري لإرسال أي رسول، وذلك لأن حدوث خلل في هذا المحور يفضي إلى خلل في شتى المحاور، واستقامة هذا المحور يفضي إلى استقامة كافة المحاور الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ومن ثم الإنسانية.

إن الله لم يرسل رسولاً إلا حين يغيب الإله عن المشهد الإنساني، ومن هنا ندرك -كمسلمين- بخاتمية الرسالة المحمدية؛ أن صورة الإله لن تغيب عن العقل الإنساني في يوم ما، وأن العقل الإنساني مهما وصل إلى قاع الانحطاط أو ارتقى إلى قمة الفجور فستظل صورة الإله حاضرة حتى وإن اختلفت صورتها.

الوضع البشري لم يصل إلى حد الاستعصاء على الحل، ولكن الأزمة هي أن المناهج البشرية الحالية غير قادرة على مواجهة تنامي خط التدهور. فالتصور العلماني والليبرالي والكهنوتي أثبتت فشلها في إيقاف قطار الإنسانية المنطلق نحو الهاوية.

إن خط الانحراف الأخلاقي والاجتماعي مهما تصاعد، لن يجعل من إرسال الرسول أمرا حتميا إلا إذا صاحبه تلاشي صورة الإله من الوجود البشري. إن الانحطاط الأخلاقي والاجتماعي والسعي نحو الحرب وتعدد صور الشر في المسرح الإنساني لا يحتاج إلى رسول بل يحتاج لمنهج رسالي يعيد الأمور إلى نصابها.. فغياب الإله يلزمه رسول من الإله للخلق، وغياب الاستقامة يلزمه منهج رسالي نعود إليه.
 
الرسالة متغيرة صورها، فالرسول رسالة من الله للخلق لضبط العقيدة، والمنهج رسالة من الله للخلق لضبط محاور الحياة الإنسانية، والأمة المثالية رسالة من الله للخلق للارتقاء بأمم البشر نحو مراد الله من العباد فرديا واجتماعيا.

الحقيقة أن الأمر لم يصل أمام دعاة الإصلاح إلى حد استحالة الإصلاح إلا برسول مخلص أو انتظار مجدد الدين على رأس كل مائة عام.. مهما تصاعد منحنى الانحطاط الإنساني فالإصلاح لن يتوقف على رسول أو منقذ مخلص، التحدي الحقيقي أمام دعاة الإصلاح هو تنقية المنهج المدنس والوصول إلى صيغة توافقية حول المعالم الرئيسية لمنهج الإصلاح وتربية العقول المؤهلة لحمل هذا المنهج وتحقيق غاياته ومن ثم إصلاح العالم الإنساني.

أزمتنا الحقيقية أزمة منهج، الوضع البشري لم يصل إلى حد الاستعصاء على الحل، ولكن الأزمة هي أن المناهج البشرية الحالية غير قادرة على مواجهة تنامي خط التدهور. فالتصور العلماني والليبرالي والكهنوتي – كلها – أثبتت فشلها في إيقاف قطار الإنسانية المنطلق نحو الهاوية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.