شعار قسم مدونات

لطالما سافرنا عبر الزمن

blogs ساعة

تعج روايات الخيال العلمي بالخيالات والوعود بأن الإنسان سيصبح قادرا على السفر عبر الزمن مع تطور تكنولوجيا المواصلات والنقل والاتصالات، ويعمل العلماء جاهدين للوصول لفهم أفضل للثقوب السوداء وماهيتها وأساليب تشكلها، وما الذي يحصل للمواد التي تتخطى أفق الحدث (Event Horizon)، هل تختفي هذه المواد للأبد أم أنها تذهب إلى عوالم أخرى؟! (1)، ويناقش علماء آخرين الثقوب الدودية في الفضاء، ويصفوها بأنها أنفاق تربط نسيج الزمان-المكان (الزمكان) في كوننا المنظور مع نسيج زمكان الماضي أو المستقبل على فرض أن الكون المنظور وغير المنظور يتسع على شكل صفيحة تشبه الورقة المطوية (2).

سهلت نظرية اينشتاين النسبية على الرياضيين إيجاد قاعدة صلبة لبناء نماذجهم الرياضية عليها، من خلال ترسيخ حقيقة أن الحركة الديناميكية للأشياء والأجسام تتم بشكل نسبي، فكل جسم يتحرك نسبة لجسم آخر، ومع وجود الفهم الذي قدمه اينشتاين للكون أمام العلماء إلا أنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا نظريا قدرة الإنسان على السفر إلا إلى المستقبل (3)، وذلك لأن السفر للماضي يغير الحاضر والمستقبل بشكل دراماتيكي، فمثلا لو سافرت كإنسان يمتلك إرادة حرة لحقبة الحرب العالمية الثانية وقمت بقتل "هتلر" ومن ثم عدت للحاضر فإنك قد غيرت ميزان القوى في العالم، فملايين ممن كان مقدر لهم أن يموتوا قد عاشوا وأنجبوا بنين وحفدة، ودول كانت ستسقط تحت وطأة جيش "هتلر" قد صمدت وازدهرت، ولربما إحدى هذه الدول التي لم تسقط كما كان مقدرا لها قد خططت لغزو بلادك وقامت بقصف بيتك ومت!!

 

السفر عبر الزمن ليس بسابقة علمية ولا أسطورة خيالية، فالأشياء بما فيها نحن تسافر عبر الزمن يوميا، عندما ترفع هاتفك من الأردن لتكلم صديقا لك في أمريكا مثلا

إذن تغييرات صغيرة في الماضي تحدث آثارا كبيرة للحاضر وتغييرات أكبر للمستقبل وهو ما يسمى بـ "تأثير الفراشة"، فأنت كمسافر للماضي في هذه الحالة على قيد الحياة في الماضي ولكنك ميت في الحاضر، فأنت ميت في الماضي نتيجة تقادم الزمن عليك وحلول أجلك وميت في الحاضر بهذه الحالة فكيف لإرادة واعية حية أن تكون قد ماتت خلال الماضي والحاضر، وهذا ما لا يستقيم في المعادلات والنظريات.

بعيدا عن كل هذا التعقيد، السفر عبر الزمن ليس بسابقة علمية ولا أسطورة خيالية، فالأشياء بما فيها نحن تسافر عبر الزمن يوميا، عندما ترفع هاتفك من الأردن لتكلم صديقا لك في أمريكا مثلا وتكون الساعة لديك هي السادسة صباحا من يوم الجمعة فإن صديقك في أمريكا يجيبك في تلك اللحظة وتكون لديه الساعة الحادية عشرة مساء من يوم الخميس (علما بأن فارق التوقيت بين الأردن وتوقيت أمريكا الشرقي هو 7 ساعات)، إذا فأنت تكلم عبر هاتفك اليوم شخصا يعيش في الأمس! وهذا يعني ضمنيا أن الإلكترونات التي تنقل الموجات الصوتية بسرعة الضوء قد سافرت للماضي! فهي سافرت من نسيج زمان ومكان الأردن إلى نسيج زمان ومكان أمريكا!

وبنفس المنطق، عندما تقرر السفر من الدوحة الى سيدني بالطائرة فإن توقيت سيدني يتقدم توقيت الدوحة ب 7 ساعات مما يعني أنك تسافر للمستقبل وذلك لأن مرجعنا في التوقيت هو دوران الأرض حول نفسها الذي ينتج عنه شروق الشمس وغروبها، ولكننا لا نحس بأي تغير ملموس على الأشياء أو الأماكن أو الأشخاص لأننا نسافر زمنيا لفترة قصيرة نسبيا (بفرق زمني أقل من 24 ساعة) وكما أننا نستغرق وقت خلال السفر بالطائرة أو السيارة وبالتالي فنحن نتغير أيضا. للإحساس بتغيرات الزمن يجب أن تسافر أولا بسرعة الضوء (لكي لا تتقدم في الزمن بشكل كبير) وأن تسافر لأماكن فروقها الزمنية كبيرة نسبيا مثل السفر للمريخ ومن ثم العودة للأرض.

قال تعالى: ((وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)) (النحل : 8)، ستتطور وسائل المواصلات وعلوم الفيزياء وما لا نعلمه الآن لنتمكن من الوصول لمرحلة السفر النسبي عبر الزمن، وما ذلك إلا لنعلم أن معراج النبي ليس وحيا من الخيال، والعلم يعطينا إشارات تلامس أفهامنا لتثبت أن القرآن لا ينطوي إلا على حق، "فتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر

(1) https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/black-holes
(2) http://www.space.com/28000-physicist-kip-thorne-wildest-theories.html
(3) https://ocw.mit.edu/high-school/physics/the-big-questions/lecture-notes-and-videos/MITHFH_bigquest_lec5.pdf

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.