شعار قسم مدونات

عندما ينتصر الهوى

مدونات، الخداع
ربما يظن البعض أن زمن الشرك ولّى مع كفار قريش، وأن الأصنام تحطمت حول الكعبة فلم يبقَ منها أثر ولم تعبد بعد ذلك، وربما يظن البعض أنه غير معني أبداً بآيات الكتاب الناهية عن الشرك بالله وعبادة الأصنام من دونه، ذلك أنها بنظره موجهة للوثنيين فقط وعبّاد النار والبقر والفئران!


ولكن ماذا عن (الهوى) أليس أكثر الأصنام عبادة في هذه الأيام؟ يقول مصطفى محمود: (وربما كانت أشيع أصنام هذا العصر وأكثرها انتشارا هو صنم (( الذات)).. عبادة النفس.. واتباع الهوى! فيكون الهوى هو لا سواه يأمر فيطاع وينهى فينتهى لأجله! ولكن عجبي لماذا يترك الإنسان نفسه يسقط هكذا جزءاً جزءاً! لماذا يتهاوى من فطرته إلى عمق سحيق يصبح بعده الوصول للأعلى بعيد بقدر بعد السماء عن الأرض. 
 

ذلك الذي يسمع الأذان فلا يقوم ليصلي ويخرج وقت الصلاة ويدخل وقت الصلاة التي تليها فلا يغير من جلسته، لا يترك جواله، لا يقوم من نومه، لا ينهي لعبته ولا يقطع مجلسه ليلبي النداء.

لماذا يعيش زمناً طويلاً في الظلام يصبح بعده النظر إلى النور مؤلماً! لماذا يتبع الشهوات كلها حتى يصل بها إلى الجحيم ويدخلها طائعاً كأنه يريدها ولا يريد شيئاً سواها.  لماذا يستسلم الإنسان وهو يستطيع أن يقاوم، وما قيمة الإنسان حين يميل مع كل ريح وينسحب بأي قوة مع التيار؟ هل هناك حسرة أكبر من أن يصل الإنسان إلى النهاية ويدرك أن الأوان قد فات وأن لا سبيل إلى الرجوع أبدا لتغيير شيء مما كان، هل هناك ندم أعظم من ذلك الذي يأتي إلى النفس الهالكة ويهزها هزاً لعلها تتحرك ويقول لها صارخاً لعلها تستجيب، فينتحب انتحاب المفجوعين قائلاً يا ليتني قدمت لحياتي!

عجباً للإنسان كيف يغفل وهو يرى أن كل نفس ذائقة الموت، عجباً كيف يتناسى أكبر حقيقة عرفها البشر، وهل هناك حقيقة أكثر صدقاً ووضوحاً من الموت المجهول الميعاد الآتي لا محالة! ربما أتحدث عن ذلك الذي صرف جل صحته بالتدخين حتى لم يترك في دمه نفساً للحياة، وذلك الذي وقع فيما وقع فما ترك خبثاً ما وقع فيه، وذلك الذي أكل مال أخيه ثم رحل من الدنيا ترك المال وأخذ من الذنوب جبال! 

وذلك الذي يسمع الأذان فلا يقوم ليصلي ويخرج وقت الصلاة ويدخل وقت الصلاة التي تليها فلا يغير من جلسته، لا يترك جواله، لا يقوم من نومه، لا ينهي لعبته ولا يقطع مجلسه ليلبي النداء، ونداء من! أليس الله هو الذي ينادينا فنغلق الآذان بالأيدي كأننا لا نسمع ونوصد على قلوبنا كأن عليها أقفالها.

ثم تجد ذلك الشخص متعب من الحياة، يائس من الخير، قانط من الرحمة، تجده ساخطاً على الله! وكأن الله تعالى تركه تائهاً ولم يرشده مرات ومرات إلى الطريق، وكأن الله هو سبب تعاسته الأبديه التي لم يبذل جهداً لتغييرها، وكأن الله كان سبباً لكسله وعجزه وبؤسه وفنائه قبل فنائه الحقيقي، وهو الذي أنذره من قبل بأن المعرضون عن الذكر لهم معيشة ضنكاً!

لماذا يعيش زمناً طويلاً في الظلام يصبح بعده النظر إلى النور مؤلماً! لماذا يتبع الشهوات كلها حتى يصل بها إلى الجحيم ويدخله طائعاً كأنه يريده؟!

أيها البشر، هل تنظرون إلى الوجوه؟ إن لكل وجه قصته، وإن الله تعالى يطبع سخطه وغضبه على وجوه البعض فتراها كئيبة مسودة، ويرسم الرضى والطمأنينة على وجوهٍ أخرى فتراها ضاحكة مستبشرة. فما لنا لا نعتبر؟ وما لنا لا نبصر؟ وكيف نمضي في الحياة ناسين أو متناسين عقوبة الفوضى التي نعيشها. (أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا).
 

فلنشفق على أنفسنا من الهلاك، فلنعمل لأنفسنا ولننقذها من العذاب من أجلنا فقط، لا من أجل أحد، فلنتقي الله تعالى في أجسادنا وأرواحنا وقلوبنا. ولنحطم أصنام الهوى فإنهن أضللن كثيراً من الناس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.