شعار قسم مدونات

عمدة رام الله

blogs - محمود عباس
ألقى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سلاحه وتفرغ بوظيفة كاملة للمفاوضات، وبدأ في خضم التغيرات الإقليمية والعالمية بالبحث عن طريق تؤدي بنهايتها إلى الحصول على دولة فلسطينية حتى ولو على جزء صغير من فلسطين التاريخية، عملا بالمثل الفلسطيني "رائحة الجوز ولا عدمه"، إلا أن ياسر عرفات أو "الختيار" كما كان يسمى آنذاك وبعد سنين من المفاوضات؛ توصل وفهم أن الأسوأ لا يزال أمامه، وأن المتغيرات التي حدثت حتما لم ولن تصب لصالح الحلم الفلسطيني المنقوص، فإسرائيل بدأت بالمماطلة والتهرب من التزاماتها حتى تلك البسيطة المتعلقة بالجانب الاقتصادي، الزراعي والمائي.
من الغباء أن نعتقد أن إسرائيل تهربت من التزاماتها بسبب عملية هنا أو قتل مستوطن هناك، فالتاريخ علمنا أن التخطيط الاستراتيجي وتحقيق ما تصبو إليه إسرائيل أهم وأكبر من أي حيثيات وتفاصيل صغيرة هنا أو هناك، وبالمحصلة؛ العمل على تحقيق استراتيجية لا يأبه بالتفاصيل الصغيرة التي ستكون حديث الشارع والإعلام؛ فيما تحقيق الهدف الرئيس لن يوقفه عائق؛ وهذا بعرف إسرائيل والأقوياء عموما، يعرف بـ"الغاية تبرر الوسيلة".

لنترك الرئيس الراحل الذي على ما يبدو أنه تنبه لمخططات إسرائيل بعيدة المدى، بل وحاول أن يوقفها بما تيسر وبما ملك من أدوات، والنتيجة كانت تصفيته والتخلص منه، وطبعا الانتهاء من الفصل الأول في عملية المساومة؛ وخلف من بعده خلف أضاعوا بوصلتهم وبدأوا كأدوات بيد الاحتلال الإسرائيلي علنا وفي وضح النهار، فها هو محمود عباس يكرر جملة الراحل ياسر عرفات "سيرفع شبل من أشبالنا، أو زهرة من زهراتنا، علم فلسطين فوق أسوار القدس، ومآذن القدس وكنائس القدس"، وشتان ما بين القول والعمل، فمحمود عباس يعلنها وبكل وضوح أنه يعمل بلا كلل ولا ملل على تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني، وفي سبيل ذلك لا بد من تغيير النهج الفلسطيني وبشكل جذري.

الاستراتيجية الإسرائيلية كانت ولا تزال تهدف إلى التخلص ممن تبقى من الفلسطينيين بشكل ما وبحلول مبتكرة، فالقطاع محاصر.

فحماية المستوطنات وتأمينها سيصب في مصلحة الشعب الفلسطيني اقتصاديا وستؤدي إلى رفع الحواجز الإسرائيلية أو التخفيف منها؛ فعملية إزالة الحواجز ستشجع وتسهل نقل البضائع وتنقل الأفراد.
لعل عباس نسي أن إطلاق الوعود بالتحسن الاقتصادي يجب أن تكون بعد التحرر وبعد الاستقلال لا قبله، ناهيك أن عباس لطالما ادعى بانه يعمل على تحقيق حلم الاستقلال؛ وهذا ما يناقض ما يطلقه في الآن نفسه وهو تحسين الأوضاع الاقتصادية لأبناء الشعب الفلسطيني، فوفقا للبديهيات فإن الاستقلال يسبق الرخاء الاقتصادي ولا يمكن لأي أوضاع اقتصادية مهما كانت جيدة أن تؤدي بمنطقة ما أو إقليم ما أن يحصل على استقلال ودولة. نعم لقد أصبحت مطالب التحرر الفلسطيني نقيضا للأهداف الاقتصادية لسلطة رام الله.

وإذا عدنا قليلا للخلف فسنجد أن الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريس أحد مهندسي اتفاقات أوسلو معلقا على جملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "سيرفع شبل من أشبالنا، أو زهرة من زهراتنا، علم فلسطين فوق أسوار القدس، ومآذن القدس وكنائس القدس"؛ "لن أمنعهم من الحلم ولهم الحق بأن يحلموا"، واستكمالا لهذا الحلم بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعبر رئيس حكومته سلام فياض بالادعاء أن مأسسة السلطة الفلسطينية قد بدأت وانطلقت لتكون جاهزة لإدارة دولة فلسطين المستقلة.

ومرة أخرى يحاول محمود عباس أن يربط الحصان خلف العربة. هل هذا استغباء أم قلة حيلة؟ لا أظن ذلك، فالاستراتيجية الإسرائيلية كانت ولا تزال تهدف إلى التخلص ممن تبقى من الفلسطينيين بشكل ما وبحلول مبتكرة، فالقطاع محاصر ولا يملك أي استقلال فعلي بكافة المستويات، لا بل لم تستهدفه سلطة رام الله بالوعود الاقتصادية والمالية؛ أما الضفة فها قد وجد من ينوب عن إسرائيل بتحمل المهام والمشاغل اليومية للشعب الفلسطيني التي لطالما كانت إسرائيل في غنى عنها؛ فيما تبقى الجزء الأكبر والأهم من الضفة من مساحات، تلال ومصادر للمياه بأيدي إسرائيل أمنيا واقتصاديا، وتحولت القضية الفلسطينية إلى قضية اقتصادية وبعض من بطاقات "الأشخاص المهمين VIP".

لا بد أن نعترف أن سلطة رام الله وبما تملكه من سلطات على الأرض، وبمزيد من الجهود ستكون بمستوى السلطة المحلية لمدينة تل أبيب الإسرائيلية.

أما سلطة رام الله فها قد نجحت بالمساومة وحصلت على ترخيص لشركة هواتف خليوية لأحد رجال الأعمال الفلسطينيين، والصدفة هنا أن رجل الأعمال هذا على ما يبدو أنه أحد أبناء رموز سلطة رام الله. كيف لا؟ فهذا من ضمن مراحل بناء الدولة وتحقيق الرخاء الاقتصادي لأبناء الشعب الفلسطيني بالضفة.

إلا أننا ومن باب إحقاق الحق وشهادة للتاريخ؛ لا بد أن نعترف أن سلطة رام الله وبما تملكه من سلطات على الأرض، وبمزيد من الجهود ستكون بمستوى السلطة المحلية لمدينة تل أبيب الإسرائيلية، مع فارق أن رئيس بلدية تل أبيب يتم انتخابه في كل فترة لا تزيد عن خمس سنين، فيما عمدة رام الله سيبقى حتى الممات ،ليستبدل بعمدة آخر، وقد تحول الحلم الفلسطيني إلى وهم يتبدد في اليوم آلاف المرات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.