شعار قسم مدونات

تزدادين شبابا و نزداد هشاشة

blogs - Palestine map
قد كبرنا يا فلسطين ولم تكبري.. قد خضنّا الشيبُ ولم تتسلل إليك شعرةٌ بيضاء.. هدّنا الحملُ وناخت جِمالُنا كلُّها ولم ينخ فيك عصفورٌ يريد السماء كلَّها يعلّم الدنيا في قفصه اللعين فنّ الزقزقة والموسقة!
 

وأنتِ الآن تحملين كلّ هذا الاحتلال وتمسكين بالنكبة وترمينها في وجوه من صنعوها وتردّين إليهم بضاعتهم وتقولين لهم بفمٍ لا يعرفُ الغنجَ ولا الالتواء: ستذهبون أنتم وأعداؤكم وإنّي باقية؛ أردِّدُ وِرد البطولة..

معي من أولادي كلُّ من شدّ على بطنه وجهّز سلاح أمعائه لتصبح العروش خاوية بانتظار من سيملأ الكراسي بالرجولة وحليب السباع! معي من حمل قهرين حقيقيين.. قهراً قبل تسعة وستين عاماً وقتَ وضعت الحربُ أوزارها وأعلن أصحاب الأسلحة الكاذبة أنهم انهزموا..

هل رأيتم أسيراً يؤدّب عدوه بالجوع..؟! هل سمعتم عن شعبٍ يقاتل بالأمعاء..؟ هل مرّ عليكم سجناء يستمدّون النصرَ من وهن الجسد..؟

فقام الغاضبون وحملوا قهرهم وأدخلوه لجيناتهم وورّثوه لأجيال غاضبة تحمل القهر الثاني الذي لا يهدأُ حتى تعودَ الأسلحةُ فعّالةً لا تقبل أن تُطلقَ للخلف ولا تقبل أن تعودَ دون عودة الشهداء إلى قواعدهم سالمين؛ لأنهم يتعذّبون الآن بما جرى ويجري في حكايتي التي يتلاعبُ بها صبيانٌ لا ذنبَ لهم سوى أنهم عاهاتُ هذا الزمن الذي جرّهم إلى طاولة مفاوضات تكبرُ وتصغر حسب امتلاء معدة أحدهم بالطعام!

أسراكِ يا فلسطين الذين (أسرى) بهم إلى كلّ بيتٍ عربي؛ يدقّون على بيبان من أغلقوا كراماتهم على التعاطي معك..! أسرى بهم لكي يفكّوا اللغزَ الذي ليس بحاجة لتفكير: فلسطينُ إن عادت؛ عدّتم.. وإن لم تعد فأنتم الحفاةُ العراةُ مهما تطاولتم بالبنيان ومهما تفاخرتم بشعر بنت خالتكم..!

يقفُ الكلامُ يا فلسطينُ؛ ولا يجلس.. لأنه خنجرٌ من خناجرك التي لا تخرجُ من غمدها إلاّ لتعود بأحد الظفرين إمّا النصرُ أو النصرُ.. والشهادةُ تحصيلُ حاصل لدى قوم لا يعرفون حاصل من ضربهم وقسمهم ولم يجمعهم ولن يجمعهم إلاّ بالمسلخ بانتظار دورهم بالذبح..!

تسعةٌ وستّون عاماً.. تزدادين شباباً ونحن تحطمنا هشاشة العظام يا عظيمة..! نحنُ الأسرى وأنتم مفاتيحُ زنازننا، الجوع في كلّ الدنيا يجعلك تستسلم.. تنهار.. توقّع على ما لا تريد.. إلاّ في فلسطين الآن؛ يصبح الجوعُ ميدان رمايةٍ يصوّبُ فيه الجائعُ رصاصاته إلى (المُحتلّ المُختلّ) الذي يمارس طيشه ورعوناته على كلّ الكون إلاّ على الفلسطيني الجائع بإرادته فيمسكه من شعر ناصيته ويشده للوحل مبدياً له تحدّيّاً لا يقوم به إلاّ من تقاتلُ معه الأرضُ ويمدّه بالصلابةِ تاريخُ كنعان الذي ينتصب من جديد كلّما ترفّل بالثياب الكاذبة أبناء العبيد..!

الآن الآن؛ على مشهد من عالم (البطر) وفي وسط (العنتريات).. ومن تحت ركام (الشبع).. يشحذ الفلسطينيّ (سيف الجوع).. يلمّعه بزيتِ (البلاد).. ويسنّه بصوّان العزيمة.. ويمضي يقاتل عنكم جميعاً ويترككم تكملون سهرات النميمة ولا يقطع عليكم ترتيب مؤامرة جديدة لأرضٍ عربيةٍ قديمة..!

الفلسطيني؛ الآن الآن.. بجوعه يعيدكم إلى مربّع العار الأول..  ويحيلكم إلى محكمة التاريخ مرّة أُخرى والتي ستقفون فيها كما تعودتم ببلادة (ولا كأنكم عاملين إشي)..! الفلسطيني الأسير.. يأسركم هو.. يضع القيد على العفونة التي لم تجعلكم تحكّونها مجرد حكّة طوال هذا الزمن..!
 

تسعةٌ وستّون عاماً.. تزدادين شباباً ونحن تحطمنا هشاشة العظام يا عظيمة..! نحنُ الأسرى وأنتم مفاتيحُ زنازننا، الجوع في كلّ الدنيا يجعلك تستسلم.. تنهار.. توقّع على ما لا تريد.. إلاّ في فلسطين.

لا تحسبوا معركة الأمعاء هذه ضد (إسرائيل اللقيطة) فقط! بل ضدكم أنتم.. لو لم تصلوا إلى (كهف النوم) لما صار بفلسطين ما صار.. لو لم تدخلوا (نفق الغياب) لما تجرّأ (أخو أخته) على المساس بأختكم (فلسطين)..! 

هل رأيتم أسيراً يؤدّب عدوه بالجوع..؟! هل سمعتم عن شعبٍ يقاتل بالأمعاء..؟ هل مرّ عليكم سجناء يستمدّون النصرَ من وهن الجسد..؟ هل توقعتم أن يأتي عليكم حينٌ من الدهر تأكلون وتترعون فتهزمون؛ والفلسطيني يجوع وينتصب فينتصر..؟!

يا وحيدين وسط القلاع المُحصّنة.. يا متاريس البطولة.. نحن الأسرى وأنتم مفاتيح زنازننا.. فاوضوا عنّا؛ لأننا خسرنا الطاولة من الجولة الأولى..!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.