المغرب سائر بقوة في تطبيق قرار تحرير العملة الوطنية، ويقدم في مبرراته جملة من الأمور في مقدمتها، كون تحرير العملة سينعكس بقوة على الاقتصاد الوطني وسيجعل من المملكة أكبر جاذب للاستثمارات الأجنبية، كما يراهن على استقطاب أكبر عدد من سياح العالم، وبالتالي انعكاس هذين العاملين بقوة على الاقتصاد، وجعل القطاع المالي شريك أساسي في هذه العملية وخصوصا بورصة الدار البيضاء التي بواسطتها ستتدفق الكثير من رؤوس الأموال العالمية وبالتالي المساهمة في الرفع بشكل قوي من احتياطي العملات الأجنبية خاصة الأورو والدولار.
نحن نلحظ ما يحصل للشعب المصري الذي سبقنا لتحرير كلي للعملة، وخلف هذا الإجراء، معاناة للمواطنين وارتفعت الأسعار بقوة وانخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة تصل أحيانا حتى الـ 50 % . |
كما عملت الحكومة على الطمأنة، بالتأكيد على أنها قامت باتخاذ تدابير إجرائية منذ سنة 2012، وتمثلت هاته التدابير في إصلاح قانون الأعمال، بحيث سيتم تقديم إعفاءات ضريبية جد هامة لكل المستثمرين تصل إلى حد 36 شهرا من تاريخ الشروع في تنفيذ الاستثمار، وتخفيض الضرائب بنسبة 10 % على كل الشركات التي يتجاوز رأسمالها 300 ألف درهم، كما أن التبرير الأبرز يتمثل في ترقي المملكة لسلم مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات بحسب تقرير للبنك الدولي لسنة 2016، حيث بوأ المملكة المغربية المرتبة الأولى على المستوى المغاربي، والمرتبة الثالثة على المستوى الأفريقي.
وعلاقة بموضوع استقطاب السياح العالميين، فإن كانت الحكومة السابقة قد فشلت في جلبهم رغم الظرفية الصعبة التي عانت منها الدول المنافسة خصوصا مصر، تونس، خلال السنوات الماضية، فهل مع انخفاض قيمة العملة المحلية ستتمكن الحكومة الحالية من استقطابهم؟ وهل يمكن القول إن الحكومة المغربية وضعت إجراءات وقائية لحماية القدرة الشرائية للمواطنين البسطاء كما صنعت مع قوانين مناخ الأعمال؟ وهل وضعت الحكومة المغربية في حسبانها التحديات والتقلبات الاقتصادية التي من الممكن أن تؤذي شريحة عريضة من المواطنين؟
فبحسب إحصائيات رسمية لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية، فإن نسبة المغاربة الذين يعيشون بدولارين في اليوم تتعدى ما نسبته ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة، كما تضيف نفس الإحصائيات المرعبة أن ما نسبته 1،8 % من نسبة الساكنة البالغة 34 مليون نسمة، تعيش تحت عتبة دولار واحد في اليوم، هذا دون الخوض في غالبية اليد العاملة المغربية الكادحة والتي تتوفر على الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى الطبقة المتوسطة التي بدورها تعاني بقوة، بفعل السياسة الإصلاحية الحكومية التي همت بالأساس إصلاح أنظمة التقاعد وما خلفه الأمر من اقتطاعات جد مهمة.. وهل كل هذه الفئات، تم استحضارها كذلك ووضعت لها الحكومة برامج مواكبة خاصة؟
نستحضر هذه التساؤلات والتي شملت مختلف الطبقات الاجتماعية الغالبة على الهرم السكاني للبلاد، ونحن نلحظ ما يحصل للشعب المصري الذي سبقنا لتحرير كلي للعملة، وخلف هذا الإجراء، معاناة للمواطنين وارتفعت الأسعار بقوة وانخفضت قيمة العملة المحلية بنسبة تصل أحيانا حتى الـ 50 % .
إن كانت روسيا وهي دولة قوية وموارد طبيعية وفلاحية متنوعة، قد عانت لسنتين، فماذا نحن فاعلون؟ هل بالفعل سيكون مهندسو السياسة المالية والاقتصادية داخل البلاد في الموعد، وستمر الأمور بردا وسلاما. |
روسيا وباعتبارها من الدول العظمى عمدت إلى تحرير عملتها "الروبل" سنة 2014، ولكون الاقتصاد الروسي قوي جدا ومتنوع في مصادره، فإنه رغم معاناته المرارة لسنتين، إلا أنه استطاع الخروج مؤخرا ولو بصعوبة كبيرة من عنق الزجاجة.
البرازيل بدورها عانت بها الطبقات الشعبية معاناة جد قاسية لمدة تجاوزت الخمس سنوات، حتى تمكنت من الوصول لبر الأمان وأصبحت من الدول الصناعية الصاعدة بقوة، بفضل حكمة وروية الرئيس البرازيلي السابق العظيم "لولا دا سيلفا".
أما بلاد الراحل شافيز، وبحكم أن صادراتها تعتمد بالأساس على البترول، فقد فشلت فشلا ذريعا في تحقيق نتائج مجدية عن طريق تحرير عملتها الوطنية بسبب انخفاض سعر البترول في الأسواق العالمية.
سقت هاته النماذج كمرآة لترى المملكة، ونرى أين نحن من هذه الاقتصاديات؟ فإن كانت روسيا وهي دولة قوية وموارد طبيعية وفلاحية متنوعة، قد عانت لسنتين، فماذا نحن فاعلون؟ هل بالفعل سيكون مهندسو السياسة المالية والاقتصادية داخل البلاد في الموعد، وستمر الأمور بردا وسلاما على القدرة الشرائية للمواطنين، أم أننا سنكتوي بنار الأسعار لسنوات قادمة، قاتمة. وبين التشاؤم والتفاؤل في عملية تحرير العملة، سنرى ما سيفعله بنا مسؤولو الوطن.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.