شعار قسم مدونات

اليمن.. الهجرة وأزمة الفراغ الدعوي

blogs - اليمن

الهجرة الكبيرة للدعاة والمصلحين عن اليمن بسبب الانقلاب، نتج عنه مشكلات جمة على واقع الدعوة في اليمن وسيكون له انعكاسات سلبية على مستقبلها بلا شك، في هذا المقال نحاول تقديم جملة تصورات للتعامل مع هذه المشكلة نبثها في محورين:
 

الأول: الوعي بخطورة المشكلة
المساحات الدعوية التي تركها كثير من الدعاة في اليمن لا تقتصر نتائجها السلبية على انحسار وضعف التدين العام للمجتمع، إنما يتولد منها مشكلات قد تكون أكثر خطورة نشير إلى مشكلتين منها فقط:

– بروز قيادات اجتماعية مؤثرة من غير بيئة الدعاة، بل قد تكون قيادات من فرق وفئات بدعية، فالناس غالبًا لا تحتمل العيش في مدنها بدون قيادات! وهذا قد يروج للأفكار الضارة بطبيعة الحال، ويجعل منابر التوجيه في المجتمع مصدرًا للجهل والخرافة، ولك أن تتخيل مجتمعًا يقوده مجموعة من دعاة الفتنة ومروجي الخرافة.

مع حالة المخاطر الكبرى التي تحيق بالدعوة ومستقبلها، أصبح من اللازم على كل داعية مهاجر أن يُوجِد داعية بديلًا عنه؛ يغطي الفراغ الدعوي الذي تركه في بلده.

– كل داعية مؤثر غالبًا محاط بمجموعة من رجال الأعمال والوجهاء والمحبين، وهجرة الداعية كسرت هذه الروابط أو حدت من مدى فاعليتها، فأصبحت هذه المجموعات أقل فاعلية وانحسرت خدماتها التي كانت تبذلها لصالح الدعوة والمجتمع ومع مرور الوقت وتأخر عودة الدعاة -أو عدم عودتهم!- تموت هذه المجموعات أو تمرض ويفوت معها خير عظيم كانت الدعوة تتغذى منه وتنمو عليه، هذه العلاقات أو الروابط مع الداعية استغرق بنائها وتكوينها أحيانًا عقود، فكم يا ترى نحتاج حتى نقيم مثل هذه العلاقات من جديد!

الثاني: معالجة المشكلة
الحديث عن العلاج هنا يحتاج للنظر إلى المشكلة بروح تفاؤلية ويحتاج لإرادة -وليس رغبة فقط- من الدعاة حديدية في الحفاظ على المكتسبات الدعوية بل ودراسة سبل تنميتها في ظل الأزمة! ويأخذ العلاج مجموعة أبعاد نقتصر منها على التالي:
 

– البعد التخطيطي والتوجيه العام في التعاطي مع الأزمة
وهذا دور المؤسسات الدعوية الكبيرة والمتوسطة في رسم سياسات وبناء خطط يراعون فيها ما استجد خلال السنوات الأخيرة من أزمات -أو فرص- والكلام في موضوع التخطيط والتوجيه والبناء فيما يخص الظاهرة الإسلامية بالنسبة لي ذو شجون، فالعمل الإسلامي يعاني مع الأسف من فقر حاد في عمليات التخطيط والتنسيق والبناء الدعوي القائم على روح مؤسسية أصيلة، والقصد هنا أن تلتفت المؤسسات الإسلامية العاملة في اليمن إلى أهمية التخطيط الشامل القائم على النظر العام للخارطة الدعوية في اليمن لا التخطيط الخاص المتعلق بذات المؤسسات وحدود حركتها.

وتحقيق هذا ليس بالمستحيل فلو أُنشأت لجنة لهذا الأمر وبعثت كل مؤسسة دعوية كبيرة أو متوسطة لهذه اللجنة نقيبًا يتمتع بسلامة في التفكير وقوة في التحليل مع حسن تخطيط، وقدر معقول من الوعي التنظيمي، وأنتجوا لنا دراسة واعية عن الحالة الدعوية الراهنة في اليمن والفرص والتحديات التي تواجهها مع وضع استراتيجيات تضمن للدعوة مستقبل مشرق، ثم وزعت هذه النتائج على قدّاحي الهمم من العاملين في حقل الدعوة وأنصارهم، ثم توبعوا على ذلك وعُقدت الندوات والمؤتمرات ذات الصلة لتقويم الحالة الدعوية بشكل مستمر؛ لضمنا ولو بالحد الأدنى سلامة الجسم الدعوي العام في اليمن، ويا لسهولة الأمر إن تفرغت له أذهان المؤمنين.

لو اقتطع كل أخ فاضل مبلغ يسير من راتبه لمدرس تحفيظ أو خطيب أو موجه، لامتلأت تلك المساحات الخالية من الدعاة، ولضمنا للدعوة أن تستمر في إنتاج وتوريث الدعوة.

– الإسناد والتثبيت
دور المهاجرين على مدى التأريخ هو النصرة والإسناد لبقية النور الثابتة في أرض الظلام، بالمال والكلمة والموقف، وعليه فينبغي أن يكون هذا المعنى حاضرًا عند كل المغتربين من الدعاة والفضلاء من أهل اليمن، وأن لا تنسيهم حالة الأمن والرخاء حال الدعوة في اليمن وما تحتاجه من إسناد.

– ولآحاد المهاجرين كلمة
مع حالة المخاطر الكبرى التي تحيق بالدعوة ومستقبلها، أصبح من اللازم على كل داعية مهاجر أن يُوجِد داعية بديلًا عنه؛ يغطي الفراغ الدعوي الذي تركه في بلده، ولو اقتطع كل أخ فاضل مبلغ يسير من راتبه لمدرس تحفيظ أو خطيب أو موجه، لامتلأت تلك المساحات الخالية من الدعاة، ولضمنا للدعوة أن تستمر في إنتاج وتوريث الدعوة، ولا نتكلم هنا عن جهد مؤسسات إنما جهد أفراد ولا نتكلم عن عشرات الآلاف إنما نتكلم عن ريالات، ولا نقصد أيضًا أن يكون هذا الإنفاق الفردي من الدعاة على من ينوبهم ضربًا من فعل الخير الخالي من القصد الدعوي؛ فكلنا يدرك أن كل داعية لديه من ينفق عليهم من المحتاجين من أقاربه وأصدقائه، إنما القصد هو الإنفاق على من ينوب عنّا في جبهات الدعوة ويؤدي واجب غيابنا ويضمن للدعوة أن تكون ولّادة لا تموت أو تضمر.

هذه أزمة تحتاج إلى إدارة، وهمٌّ بثثناه نتمنى أن ينال حظه من الاهتمام عند القارئ الكريم، وأن تتحول هذه المعالجات وأشباهها إلى مبادرات فردية وجماعية لدى جماهير الدعاة ومحبينهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.