شعار قسم مدونات

اليسر في الدين

blogs - قرآن
الحمد لله الذى جعل الدين كله ميسرا للناس جميعا، وبعث به خير الناس وأحسنهم خلقا، فيسر على الناس ولم يعسر، وكان رحمة للعالمين- صلى الله عليه وسلم-..وبعد: ثارت في أعقاب صعود الإسلاميين بعد الربيع العربي لمنصات الحكم فكرة "اليسر في الدين" تلك المقولة التي استغلها العلمانيون والليبراليون في محاولة منهم لتمييع الدين ومحاربة الإسلاميين وإظهارهم بصورة المميع لخسران أكثر المتابعين والجمهور المتعاطفين معهم، أو لكسبهم في صفوفهم وهنا نتعرض لشكل اليسر الحقيقي للدين.

والسؤال الذى يظهر بداهة، هل اليسر هو التساهل؟
الجواب واضح وبسيط لو أردنا أن ندخل إحدى البلاد التي تمتلك بالطبع دستور وقوانين تحكمها فإن مسألة العاطفة لا تتحكم في القوانين إطلاقا لا من قريب أو من بعيد، لو اتبعت القوانين فلن تُعَاقب وإن خالفت القوانين تعاقب لا تساهل في تطبيقها (في الغالب) وهى قوانين وضعية معيبة ولا بد، ولنرجع لنقول أن القوانين تُحترَم ولا يمكن لك أن ترفض تطبيقها لأنها لا تروق لك (وتُتَهم حينها بأنك إرهابي أو متطرف) وهى موضوعة من إنسان مثله مثلك لكنه متخصص ونحن نحترم هذا أما حين تكون القوانين من الخالق فيجب الإذعان لها دون تردد أو تفكير.

لو سُرقت سيارتك ثم بعد فترة سُرِق منزلك ثم بعد فترة سُرِق حسابك البنكى كيف تشعر بالأمان حينها في مجتمع لم يحفظك لا في منزلك ولا في أموالك وممتلكاتك؟ حينها وحينها فقط ستعرف قيمة حد السرقة.

وإذا كان التنازل في قوانين الإنسان سهل فإن هذا ممتنع في أمر الدين وحدوده، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال "مُرَّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بيهوديٍّ محمَّمًا مجلودًا. فدعاهم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: (هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم. فدعا رجلًا من علمائهم. فقال (أنشدك باللهِ الذي أنزلَ التوراةَ على موسى أهكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابِكُم؟) قال: لا. ولولا أنك نشدْتَنِي بهذا لم أُخْبِرْكَ. نجدُه الرجمَ. ولكنَّهُ كثُرَ في أشرافِنا. فكنا، إذا أخذنا الشريفِ تركناهُ. وإذا أخذنا الضعيفَ أقمنا عليهِ الحدَّ. قلنا: تعالوا فلنجتمعْ على شيٍء نُقيمُه على الشريفِ والوضيعِ. فجعلنا التحميمَ والجلْدَ مكانَ الرجمِ. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ (اللهم إني أولُ من أحيا أمركَ إذا أماتوهُ). فأمرَ بهِ فرُجِمَ.". ولننظر إلى معنى اليسر الحقيقى في تطبيق الدين. 

أولا: اليسر لمعتنق هذا الدين

فلقد جعل الله – عز وجل – للمسلمين الذين يريدون تحصيل الدرجات العليا (في اختبار الدنيا) أمر سهل ميسور وهذا يعرفه كل مسلم وليجهله أحد، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدَقةٌ وأمرُك بالمعروفِ ونهيُك عن المنكرِ صدَقةٌ وإرشادُك الرَّجلَ في أرضِ الضَّلالةِ لك صدَقةٌ وإماطتُك الأذَى والشَّوْكَ والعظْمَ عن الطَّريقِ لك صدقةٌ وإفراغُك من دلْوِك في دلْوِ أخيك لك صدقةٌ"، أليس هذا يسر في الدين؟

رضا الله سهل المنال أيضا كلمات يسيرات كما قال بأبي هو وأمي، "إن اللهَ ليرضى عن العبدِ أن يأكلَ الأكلةَ فيحمدَه عليها. أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها"، وغيرها من أحاديث النبوة ولو نظرت إليها متجرد من نظرتك المؤدلجة لوجدت أنها يسر على المسلم في تحصيل الحسنات ويسر على المجتمع الذى يعيش فيه هذا المسلم إذ سيكون عنصر فاعل يريد الخير له وللمجتمع. أليس هذا يسر في الدين؟!

ثانيا: اليسر في التعامل مع الناس
وهذا بغض النظر عن كون الآخر هذا مخالف أم معاهد أم حتى منافق.. إلخ، فلو كان مثلا محاربا، أي بينه وبين المسلمين حروب فإن الإسلام إذا حارب لم يقتل إلا المقاتل فلا يقتل طفلا ولا امرأة ولا شيخ كبير ولا صبى ولا يقطعوا شجرة.. فهذه وصية النبي وأصحابه من بعده. أليس هذا يسر في الدين !!؟ ولو كان معاهدا، أي بينه وبين المسلمين عهد وميثاق فإن الإسلام يحترم العهود والمواثيق ولا ينقضها إلا إن نقضها العدو وهذا المعاهد تُحقَن دمائه ويُحرَم سفكها وله حقوقه وعليه واجباته. أليس هذا يسر في الدين!؟
 

"اليسر في الدين" تلك المقولة التي استغلها العلمانيون والليبراليون في محاولة منهم لتمييع الدين ومحاربة الإسلاميين وإظهارهم بصورة المميع لخسران أكثر المتابعين والجمهور.

ولوكان منافقا وهذا وجه أخر للمحارب "مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِالله وبِالْيَوْمِ الآخِرِ ومَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" وهذا له أحكامه التي تحمى المجتمع المسلم من خطره على استقرار المجتمع ولم يَقتُل النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد بل كانت سياسته معهم هي الإعراض عن جهالاتهم، ووعظهم وتذكيرهم بالله والدار الآخرة، وزجر المجاهرين منهم رحمة بهم. أليس هذا يسر في الدين!؟

هذا وغالبا ما يثار حول اليسر في الدين في مسألة الحدود ونقول: لو سُرقت سيارتك ثم بعد فترة سُرِق منزلك ثم بعد فترة سُرِق حسابك البنكى كيف تشعر بالأمان حينها في مجتمع لم يحفظك لا في منزلك ولا في أموالك وممتلكاتك؟ حينها وحينها فقط ستعرف قيمة حد السرقة.

لا شك أن الإنسان عدو ما يجهل، وهذا شاق على النفس إذا كان الجهل بما فيه الرحمة والخير وإذا كان الجهل بالدين الذي هو نور ورحمة وهدى للناس جميعا قال عزوجل "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ"، وقال "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، فيا لشقاء من جهل هذا! ويا لطيش من تساهل فيه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.