شعار قسم مدونات

العمل النقابي الطلابي بين فلسطين وهولندا

blogs - مدرج
في هولندا قبلَ سنة من الآن وقفتُ في ذات الموقف مرة أخرى، وفي خلجات الذاكرة التي عشتها في فلسطين مشهدٌ اخرُ يعيد تركيب تفاصيله، استشعرت عبق المكان وساكنيه، استحضرت حروفهم وهتافهم راياتهم ألوانهم وتلك القطرات التي تغسل صفحات وجوههم وتربط على قلوبهم، ثم عدت إلى وعيي مجدداً وأنا أنظر إلى قاعة تمتلئ بطلبة من الدراسات العليا قد اختلفت ألسنتُهم وألوانُهم وجنسياتُهم ودياناتُهم
 
سألتني سكرتيرة لجنة الانتخابات هل لك أن تشرح لنا برنامجك الانتخابي؟ صَمّتُ للحظة وحاولت أن أستجمع شتات حروفي فأنا الآن أترشح لانتخابات عضوية مجلس الطلبة عن كلية في واحدة من أعرق جامعات هولندا وبين المشهدين سألت نفسي أي بلاء هذا الذي أقحمت نفسي به، بأي لسان وأي بلاغة سأقنعهم!

إنّ هدفي خدمتهم وغايتي رضوان الله؟! لا، فبعضهم لا يؤمن بوجوده حتى، إنني صاحبُ الطلقةِ الأولى التي لم تجد اختاً لها؟! كلا، فلن يشدهم تاريخٌ تخليت عنه، سيقفون أمامي يسألون كيف ستخدمنا ولماذا سننتخبك!

تمهل أيضا يا لساني فالجامعةُ تنظّم الرحلات العلمية المتعلقة بالمساقات مرتين على مدار الشهر وتستضيفُ كبار الشخصيات الناجحةِ في مختلف التخصصات، وتنظم العديد من اللقاءات الترفيهية للطلبة لتبادل الثقافة والأفكار.

هل أعدهم بتخفيض الأقساط؟ إنّ المواطنين لا يدفعونه إلا رمزياً! إذا سأعدهم بالمنح والقروض؟ مهلاً، ولكن الحكومة توفرها للجميع ولا تستردها إلا إذا تجاوزت سنوات وجودك في الجامعة العشر سنوات. تُرى هل أعدهم بزيادة عدد مرافق الخدمات الطلابية؟! ولكن آلات الطباعة والتصوير الورقي والرقمي والحواسيب منتشرة في كل زاوية لاستخدامها للطلبة والأساتذة على حد سواء، مكتبة الجامعة تشرع أبوابها منذ الصباح الباكر وحتى أوقات متأخرة وتحوي هذه الخدمات أيضاً، ثم ها هي صالات اللياقة البدنية والمسابح والمسارح والمعارض متوفرة لك بمجرد انتسابك للجامعة، يا إلهي بماذا أعدهم؟!

أتراني أعدهم بتوفير الأوراق العلمية المحكمة التي نحتاجها في أبحاثنا ومشاريعنا؟ ولكنَّ المكتبة الرقمية توفر لك قاعدة بياناتٍ مهولة تحوي أكثر من 100 مليون من الأوراق العلمية المحكمة والمراجع الموثقة التي لم تعد على الرفوف بل ومن دوريات ومجلات عالمية قد تصل تكلفة الاشتراك بها إلى آلاف اليوروهات، كل هذا متاحٌ مجاناً وتدفعه الجامعة بالنيابة عنك عبر بريد إلكتروني بمساحة تخزينية غير محدودة، بل إنّ كتب المساقات الأصلية تتسلمها باليد تماماً كطالب الصف الأول بيدك في يومك الأول للمدرسة.

أصبحَ الأمرُ أكثرَ تعقيداً، هل أعدهم بأني سأعمل على تصوير المحاضرات وتسهيلِ الحصول على المواد التعليمية؟ ولكن المحاضرة ما تلبث أن تنتهي حتى يهتزّ هاتفُك برسالةٍ تخبرك عبر البريد الإلكتروني برفع فيديو المحاضرة وكافة موادها التعليمية من أوراقٍ وتمارينَ وشروح وعروض، بل ويخبرك مدرس المساق "لا تشعر بالحرج من سؤالي عن أي شيء تحتاجه أو تظن أنّ بإمكاني مساعدتك فيه سواء كان ضمن المساق أو خارجه"، ويضع بين يديك عناوين التواصل معه كاملة متضمنة هاتفه الشخصي أحياناً، إذا سأعملُ على إلغاء المبالغ التي تدفع لمراجعة اوراق الامتحانات التي تظن أنك استحققتّ علامة أعلى فيها ! لحظة، ولكنك تستطيع مراجعة امتحانك دون تقديم طلب خطي تحتاج لموافقة أحد عليه ودون دفعِ مبلغٍ مالي بل وخلال عشر سنوات أي حتى بعد تخرجك، كل ما تحتاجه هو رسالة عبر البريد الإلكتروني. 

سأعمل على شيء واحد فقط وهو التأكد من أننا سنعود إلى أوطاننا التي استثمرت أموالها فينا بالعلم والخبرة الذي ترجوه، أننا حصلنا على العلم الذي نريد وخرجنا به ليس بشهادة ورقية.

إذاً سأعدهم بأكثر شيء يحبه الطلبة الرحلات وزيادتها، هنا تمهل أيضا يا لساني فالجامعةُ تنظّم الرحلات العلمية المتعلقة بالمساقات مرتين على مدار الشهر وتستضيفُ كبار الشخصيات الناجحةِ في مختلف التخصصات، وتنظم العديد من اللقاءات الترفيهية للطلبة لتبادل الثقافة والأفكار، وتبرعُ في تنظيم النشاطات اللامنهجية وترسل لك جميع المعلومات حولها سواء العامة والخاصة على مستوى الدولة والمدينة والجامعة، وتسهل لك حضور المؤتمرات والمشاركة فيها بل والأدهى من ذلك أنّ جميع المبالغ التي تقوم بدفعها خلال تنفيذك لمشروع دراسي أو بحثي تستطيع استردادها من الجامعة مباشرة.

طلبتْ مني السكرتيرةُ التحدث فليس لديَ سوى خمسِ دقائق، وتوجهتُ إليهم بالحديث قائلاً "سأعمل على شيء واحد فقط وهو التأكد من أننا سنعود إلى أوطاننا التي استثمرت أموالها فينا بالعلم والخبرة الذي ترجوه، أننا حصلنا على العلم الذي نريد وخرجنا به ليس بشهادة ورقية وإنما بمعرفه حقيقية، أننا سنسعى للوصول بدراستنا إلى أعلى درجات سُلّم جودة التعليم وأن الوقت والجهد الذي بذلناه كان في موضعه الحقيقي، فكل شيء متوفر لدينا وواجبنا هو تحصيل العلم". وفي قرارة نفسي أدركت أنّ ما كنّا نسعى لخدمة الطلبة به في جامعاتنا في فلسطين لم يكن في واقع الأمر إلا حقاً لنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.