شعار قسم مدونات

من نافذة المدرسة

blogs تعليم

ها قد شارفت السنة الدراسية على الانتهاء وها نحن الآن نخوض الامتحانات النهائية. في تجربة جديدة للتدريس خضتها لعام بين أروقة المدرسة والحصص الدراسية والتي كانت كتحدي بالنسبة لي لاختلاف المراحل التي درستها من الابتدائي والمتوسط والإعدادي في آن واحد واختلاف المواد المعطاة. لم تكن هناك صعوبة في الإلقاء أو صعوبة في المنهج بل كانت في ميكانيكية إيصال المادة لمستوى الطالب الابتدائي ثم الانتقال في الحصة التي تليها إلى المتوسط ثم الإعدادي إذ يتطلب الأمر جهدا مضاعفا لتغيير مستوى الشرح بين حصة وأخرى إضافة لاختلاف المكون الطلابي كون المدرسة في إسطنبول فتجمع بيئات ومجتمعات متعددة عراقية وعربية. ففي الابتدائي أجد نفسي معلما وأخا كبيرا للطلبة أحببتهم وأحببت تعليمهم فكان درسي معهم من غير تعب بل يخفف عني الكثير من الضغط النفسي أما الثانوي فكنت معهم كصديق ومدرس في آن واحد.

بالنسبة لميكانيكية التدريس ربما لكل مدرس ميكانيكيته الخاصة به علما أن عامل الخبرة ليس له تأثير على ذلك الى حد كبير فطريقة التدريس ليست مجرد خبرة للمادة المعطاة فحسب بل هي فن بحد ذاته فكما كان يقول لنا مدرسونا بعد شرح المادة "هل إفهمتم؟" ربما كانت أكثر الإجابات بنعم. لكنه كان يرى في عيون البعض غير ذلك. وهذا ما ألاحظه في عيون طلبتي الآن لإعلم هل تم هضم المادة أم لا خاصة وأن المادة المعطاة مادة علمية بحتة والكثير يجد صعوبة في الكيمياء حتى أنني دمجت جزءا من التجارب العملية في المختبر مع النظرية لكي يتم إيصال الفكرة الواضحة للطالب والتي لم نتلقاها عندما كنا طلابا حتى إنني قمت بإعادة صياغة بعض المواضيع في المنهج بواسطة الطالب نفسه ونقوم باعتمادها وندونها في خطوة لكي يشعر الطالب بمدى أهميته وإخراجه من حفرة الحفظ بدون فهم.

لمدرس يبذل جهدا أكثر مما يبذله الطالب فأكبر جهد هو عندما تلقي محاضرتك وتنظر في عيون طلابك فمن نظراتهم تعلم فهمهم للمادة من عدمه حتى عند وضعك للأسئلة يجب أن تضعها على مستوى مختلف ليتناسب مع الطلاب

وإذا ما جئنا لطريقة التعامل مع الطلبة فعندما كنت طالبا شاهدت الكثير من المدرسين يتعاملون مع الطلبة وبأساليب مختلفة منهم من كانت حصته لا تمل ولا نريده أن يخرج ومنهم العكس وهذا الأمر ليس له علاقة بالمادة بل إذا أحب الطالب أستاذه أحب مادته وهذا يعتمد على قوة شخصية المدرس في قاعة المحاضرة ليست القوة المعتادة التي تمارس ضد الطلبة سابقا وحاليا عند البعض فالعنف لا يولد إلا عنفا مع الاحتفاظ بمعاقبة المسيء لكي يتعلم من أخطاءه على أن لا تكون معاقبة لإهانته أو ما شابه ذلك.

أرى واجبي كمدرس يخرج صباحا حاملا معي حقيبتي وفي الطريق أسترجع الأيام قبل سنوات قلائل عندما كنت أرى مدرسي في المدرسة والحصة وكنت أقول ونقول كطلاب "المدرس متونس بس يخلي أسئلة ويمتحنا" أدركت أن هذه العبارة كانت خاطئة مع العلم لو لم أدخل هذا السلك لما أيقنت بذلك وإلى الآن أجد طلابي يقولون هذا الكلام أيضا فالمدرس يبذل جهدا أكثر مما يبذله الطالب فأكبر جهد هو عندما تلقي محاضرتك وتنظر في عيون طلابك فمن نظراتهم تعلم فهمهم للمادة من عدمه حتى عند وضعك للأسئلة يجب أن تضعها على مستوى مختلف ليتناسب مع الطلاب أذكر في امتحاني الأخير لمرحلتين علميتين مختلفتين وضعت أسئلة تناسبت مع مستوى كل مرحلة إحداها لربما كانت أصعب نوعا ما قياسا بالثانية كان فيها نوعا من التفكير وإنني متأكد لو وضعتها للمرحلة الثانية على نفس الشاكلة سأجد إخفاقا كبيرا أما تلك المرحلة فبمستواهم المتميز ترشح الطلاب المتميزون أكثر وفعلا هناك من أخذ علامة كاملة.

على الرغم من أن هناك أمورا كثيرة قد تلقيناها بشكل خاطئ في مدارسنا إلا أنني لا أريدها لطلابي الآن، لم تكن تلك الأمور بسبب مدرسينا بل كانت بسبب النظام التعليمي القائم والذي كان فيه الكثير من التعقيدات للطالب والمدرس على حد سواء وإلى الآن حتى تشبع المدرسون منها وأصبحت جزء من شخصيتهم لكنني أتجاوز الكثير منها أحيانا فالذي كنت لا أرضاه لنفسي كطالب لا أرضاه لطلبتي كمدرس فمن أبسط الأمور الممنوعة في مدارسنا وهي الأكل أثناء المحاضرة، بعض المدرسين يعتبروها عدم احترام للمحاضرة والمحاضر وأن الطالب سوف يلتهي بالأكل عن المحاضرة لكنني أختلف معهم بالعكس جربت ذلك ورأيت ازدياد نسبة الانتباه والفهم ولم يؤثر الأكل سلبيا على المحاضرة.

أذكر إخوتي الصغار من الطلاب والطالبات بأن هذه السنوات هي من أهم السنوات التي يستقبل بها عقل الإنسان الكثير من المعلومات كالغلاف الإلكتروني الغير مشبع بالإلكترونات والذي يميل لاكتساب إلكترونات أكثر كي يشبع غلافه الخارجي

هناك مفهوم مشوش لدى الكثير من الطلبة وكثرة عبارة "هذه المواد ليش ناخذها شراح نستفاد منها بالمستقبل" عندما كنت طالبا كان يراودني الشعور ذاته وقبل أيام رأيت منشورا لأحد طلابي يتساءل عن هذا الأمر نعم ربما تقول ذلك لكنك ستدرك هذا الأمر لاحقا سيكون لك خزينا علميا وأدبيا وسيكون لك ثقافة عامة تستطيع أن تتفاعل بها مع المحيط من حولك وأيضا عندما تندمج بالحياة العملية بعد المرحلة الجامعية وحتى هذه الأساسيات ستحتاجها في مراحل دراستك الجامعية فليس من المعقول أنك طالب علمي وعندما تسال عن أبسط الأشياء كمكونات الخلية أو عناصر من الجدول الدوري الأساسية ولا تعلمها لذا ستشعر بهذه المعلومات بعد سنوات ولا تقل سوف تنسى، نعم ربما تنسى التفاصيل لكن يبقى أساس كل علم ومفردة درستها بهذه المراحل.

في الختام أعود لأذكر إخوتي الصغار من الطلاب والطالبات بأن هذه السنوات هي من أهم السنوات التي يستقبل بها عقل الإنسان الكثير من المعلومات كالغلاف الإلكتروني الغير مشبع بالإلكترونات والذي يميل لاكتساب إلكترونات أكثر كي يشبع غلافه الخارجي لذا فلتكن إلكتروناتكم المكتسبة مفيدة ولا تميلوا لفقدانها لكن شاركوا بها مع ذرات أخرى من خلال أواصر علمية وثقافية منوعة متمنيا لكم دوام التفوق والنجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.