شعار قسم مدونات

مليونية الفتح

blogs - turkey

فاتتني صلاة الفجر التاريخية في آيا صوفيا عند فتح القسطنطينية، لكني كنت هناك في الاحتفال الأضخم تاريخيا بذكرى فتح القسطنطينية ال 563 في اسطنبول. قبل عام، كنت حيث قادني تيار الجماهير الذي لا يقاوم لأعثر على القلب النابض والروح المشتعلة في 29 أيار 2016 لأحقق أحد أحلامي، أن أكون جزءا من الكل، وأن أتنفس البشر، في مليونية كرامة، فشاء الله أن تكون ذكرى فتح القسطنطينية..

تسلقت الحواجز لأبصر الكل فأنصهر، وصعدت لأرى كيف استقبل المليون الرمز أردوغان.. وحضرتني والجموع تغمرني فلسفة علي شريعتي التاريخية عن نعمة الحرمان: أن الإنسان المسؤول في مواجهة المجتمع، والملتزم برسالة من أجل الناس، والمجاهد في سبيل عقيدة إنسانية ينبغي أن يقيم حياته الفردية على مبدأين سلبيين حتى تبقى حياته الاجتماعية والعقائدية راسخة على مبدأ ايجابي: الأول ألا يملك شيئا حتى لا يتحول على (محافظ) من أجل أن يحافظ عليه. والثاني ألا يكون راغبا في شيء حتى لا ينجرف أو ينزلق من أجل اكتسابه أو يبدي ضعفا بالنسبة له. فيكون زهده وقناعته ركيزة استقلاله وحريته وشجاعته وصموده وثباته، وهذا هو معنى النقاء الثوري..

كنت أركض عليها لامتص الطاقة من الجموع.. كانت الأعلام حمراء، لكن اللون الوحيد الذي كنت أراه هو الأبيض…لون الطاقة ولون المشاعر الجياشة ولون الأرواح المتوهجة.

يسافر الكثير من الناس ويدفعون الغالي والنفيس لحضور الحفلات الموسيقية والمسرحيات والعروض والمباريات الرياضية، وأنا ذهبت لحضور أروع عرض رأيته في حياتي، ولأتنفس بعضا من كرامة، لأندمج مع الوعي الجمعي للبشرية، ولأعيش انتصارا تاريخيا..

صحيح أنني لم أفهم كلمة واحدة طيلة 5 ساعات متواصلة تحت الشمس، فأنا لا أعرف التركية، لكن لغة الجسد كانت كافية.. فقد كنت مشدوهة… وكان الأدرينالين قياسيا، كنت أستعجل دخول الأكسجين رئتي ليضخ قلبي دما كافيا ليستوعب عقلي ما ترى عيني.. ولأطيق احتواء ما تشعر به روحي..

رأيت شعبا شرب العزة حتى ارتوى.. فالشعوب والجماهير تتعطش للقائد لأنه يمنحها الثقة والأمان ويعطيها الشعور بالفخر والاعتزاز والانتماء.. هو فراغ يتوق للملء، فشتان بين أن يكون قائدك كمال أتاتورك أو أن يكون رجب طيب أردوغان..

القائد الحق يصنعه الزمن… وترفعه الجماهير على أكتافها لأعلى القمم بكل فخر.. أما القادة الآخرون الذين نراهم حول العالم يسوقون أنفسهم كالسلع التجارية.. ولا جذور لهم مع شعوبهم.. ولا تاريخ نضال مشترك! رأيت القيادة مجسدة، في أفضل مكان يمكن أن تتجلى فيه الكاريزما، كان يحاور المليون، فيضحكون معه ويجيبونه.. منهم الشيوخ والأطفال والنساء والرجال والشباب والرضع.. من مختلف الاتجاهات، مشرأبّي الأعناق.. حاضري الجوارح.. لا تطرف لهم عين.. رأيتهم يحضنونه بقلوبهم قبل أعينهم..

كان وقع كلامه كريشة يرسم بها على وجوه الجماهير الملامح، فإن كنت تريد أن تعرف ماذا يقول أردوغان، يكفيك أن تنظر إلى من هو بجانبك فتقرأ وجهه.. كانت الجماهير متحدة الروح والهدف.. كل نغمة موسيقى هي ذكرى انتصار.. وكل كلمة من أردوغان تعكس إنجازا حضاريا.. أو تذكر تاريخا مجيدا..

خطاب أردوغان التاريخي .. ووقفته المشرفة.. يحسده عليها كل قادة العالم…ويتمنون أن يقفوا مقامه، لينالوا ذلك الحب والاحترام والتقدير اللامنتاهي، الذي غمرته به الآلاف المؤلفة… بدأوا ب(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).. وكان الإسلام الصبغة الأساسية، لا القومية.. فانصهر الماضي والحاضر والمستقبل في بوتقة واحدة.. وطاقة هائلة.. أشعلت البشر.. حتى لفحت روحي النيران… وما العمل إلا نتيجة لنار توهجت مرة في روح، ولكنه ليس النار نفسها. إنما هو شهادة أو أثر تخلف منها..

"فكم تعب الناس ممن كانوا قبلنا لنرتاح؟؟ وكم علينا أن نتعب كي يرتاح من بعدنا؟ علينا أن نشتاق إلى الذين سيأتون من بعدنا، وعلينا أن نعيش معهم أيضا. علينا أن نحمل هم العالم على ظهرنا ونحن نشعر بالقبول والرضا والسرور بالجهود الصغيرة، بالغة الصغر التي نبذلها فيما بيننا، مع كل الذين نستطيع أن نسمعهم صوتنا، والذين يمكن لهم أن يقرؤوا كتاباتنا. ينبغي أن نبذل جميعا جهودا لتضاف إلى الجهود التي بذلت من قبل، والجهود التي يبذلها الآن أناس لا نعرفهم ولا نعلم عنهم شيئا ولا يعلمون عنا شيئا ـ ولكن جهودنا حتما ستلتقي هناك وستصنع عالما جديدا.."

الشعوب والجماهير تتعطش للقائد لأنه يمنحها الثقة والأمان ويعطيها الشعور بالفخر والاعتزاز والانتماء.. هو فراغ يتوق للملء، فشتان بين أن يكون قائدك كمال أتاتورك أو أن يكون رجب طيب أردوغان.

وددت أن يتوقف الزمن، لأعلق في ذلك المشهد كي أستمد منه الطاقة كلما نضبت عندي.. طاقة أستطيع أن أضيئ بها العالم.. فاندفعت مشاعري حتى انسكبت ككلمات شكلت جملا ليفهمها البشر.. وكلما استعجلت هروبها مني قبل أن أجمّلها.. خرجت أعذب وأنقى.. قبل أن ينطفئ نورها في داخلي.. فكتبتها لتزيد توهجا.. لعل بعضا من نورها يصلكم..

فأنا التي إذا اجتمعت مع 100 من البشر أتنفس روحهم، فكيف بمليون؟؟؟ كنت سكرى الروح من فرط الطاقة.. فمنذ صغري عودني أبواي على اللقاءات الجماهيرية.. على اختلاف أنواعها، كنت أركض عليها لامتص الطاقة من الجموع.. كانت الأعلام حمراء، لكن اللون الوحيد الذي كنت أراه هو الأبيض…لون الطاقة ولون المشاعر الجياشة ولون الأرواح المتوهجة..

فيا إلهي امنحني القوة وشباب القلب لأستطيع السير مع الجموع.. إلهي أعطني البصيرة لرؤية الهدف بوضوح.. ارزقني عيش هذا المشهد مرات عديدة.. في فتح قريب. يا رب اغمرني بنور الجماهير الساطع لأشعل ظلام الفردية.. إلهي أحرق روحي في محرقة الثورة الأبدية..

اللهم زدني تمردا وفداء وتوهج روح.. اللهم أنعم علي بنعمة الحرمان لأنال النقاء الثوري.. فإلى كل من علا على روحه الغبار.. وأكل الصدأ قلبه… أقول له: عليك بأقرب مليونية.. لتؤجج طاقتها نار الشك المقدسة في روحك.. حتى إذا أحرقت كل يقين نقشوه في داخلك.. تشرق البسمة على شفتي فجر اليقين الذي لا غبار عليه..!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.