يبدو أن تهاون الحكومة التونسية في ازدياد مستمر تجاه مطالب شعبها البسيطة المركّبة المتمثلة بصفة أساسية في توفير مواطن شغل والتمتع بنصيب معتبر في الشركات الطاقية وتخصيص نسبة من عائدات البترول للتنمية. لم يكن من أحد يتصور أن التحركات الاحتجاجية التي انطلقت قبل شهر في تطاوين تحت شعار وينو البترول ستتطور الى هذا المستوى من الحدة والقوة والصلابة بمعنى شجاعة هذا الشعب المستمدة من بعضهم لبعض لتشد إليها اهتمام كل فئات المجتمع المدني وتلفت اليها الرأي العام الدولي بل وتحرج وتربك الحكومة وتكشف عن عجزها المتوقع إزاء حل هذا الوضع بما يرضي كل الأطراف..

ويتطور الوضع ويزداد تمسك الشعب في محاربة الحكومة والتشبث بكرامته ليعلن بعد ذلك يوم 23 أبريل 2017 عن اعتصام سلمي مفتوح في منطقة الكامور: محطّة ضخّ البترول والمنفذ الرئيس لشركات الصحراء نحو حضائرها والتي تقع على بعد حوالي 120 كلم عن مدينة تطاوين بمساندة عدد من المواطنين ومكونات المجتمع المدني.. اعتصام كامور تحت شعار الرخ لا بمعنى لن نتهاون لن نتسامح لن نتساهل ولن نفرط في مطالبنا التي هي بالأساس حقوقنا وواجب الحكومة تجاهنا..

و قد شهد اعتصام الكامور في يومه الثاني انضمام مجموعة أخرى ما يزيد عن 1500 شاب من الشباب المحتج من كافة مناطق الولاية إضافة إلى طبيب من الجهة وممرضين تبرعا بالإشراف الصحي إضافة إلى تبرع معمل بالجهة بكمية هامة من الماء المعدني وتم توفير مولد كهربائي للإضاءة ليلا. وقد عمد المحتجين إلى غلق الطريق ومنع سيارات وشاحنات الشركات البترولية المنتصبة بصحراء الجهة من العبور. وتزامنا مع اعتصام الكرامة هذا شهدت البلاد العديد من التحركات الاحتجاجية السلمية الأخرى في العديد من المدن التونسية كصفاقس قابس قفصة القصرين قبلي والمهدية…

ويتواصل اعتصام الكامور مع شلل تام على مستوى حركة عبور شاحنات الشركات البترولية التي تمّ غلق جميع منافذها إلى الحقول البترولية في الصحراء من قبل المعتصمين وعبّر في الوقت نفسه الاتحاد الجهوي للشغل بتطاوين إلى جانب عدد من الأحزاب والمنظمات الوطنية عن مساندتهم لصوت الشعب.. 

ومع هذا التصعيد الشعبي أجبر رئيس الحكومة يوسف الشاهد على زيارة تطاوين في اليوم الخامس لاعتصام أهاليها مؤكدا في تصريح إعلامي سابق له أن زيارته ستكون مصحوبة بحزمة من القرارات والإجراءات قائلا: «ماناش ماشين لتطاوين وايدينا فارغة».. زيارة الشاهد كانت فاشلة تماما ومستفزة لأبعد حد حيث قراراته كانت عبارة عن إعلان بني مهيرة معتمدية جديدة في المنطقة! مما أغضب الأهالي وصرخوا في وجهه: يا شاهد يا جبان تطاوين لا تهان ديقاج وعبر رواد الفايسبوك عن انتقادهم عبر تدوينة: مبروك لأهالي تطاوين إعلان بني مهيرة معتمدية كان عندهم 7 معتمدية مهمشة ولى عندهم 8 معتمدية مهمشة.. حكومة الشاهد ضيعة محروس!!
 

وفي اليوم الحادي عشر لاعتصام الكرامة يفاجأنا أبناء تطاوين برسمهم وتسطيرهم لملحمة تاريخية بحروف من ذهب بغراستهم أول شجرة: شجرة الأمل في الكامور رسالة أخرى من رسائل السلمية والتمسك والجسارة.. 

هذا ويتواصل اعتصام الكامور.. الاعتصام الذي عرّى الحكومة التونسية وفضح عجزها ومدى هشاشتها أمام صوت الحق.. ولازال هذا الصوت مستمر بنفس الطابع السلمي والروح النضالية إلى حين تحقق مطالب معتصميه المشروعة والمتمثلة في التشغيل والتنمية مع مساندة تامة ومطلقة من مواطني الجهة وكل بلاد الجمهورية لحراكهم.. ومع شجرة الكامور: شجرة الأمل سيكون هنالك أملا في إرساء بلد جديد قائم على المساواة بين أقاليمه الثلاث والتخلي عن الجهوية الرخيصة وإهداء الشباب نفس جديد للعطاء لتونسنا.