شعار قسم مدونات

عندما تتحول الفكرة إلى وثن

blogs - isis
مع انطلاقة الثورة السورية، نتيجةً لضغط النظام واتّباعه الحل الأمني الهمجي في قمع الحراك الشعبي، تنكب الثوار بنادقهم، بعفو الطباع وفطرة رد الصيال عن أنفسهم ورد عادية الأجهزة الأمنية التي سامت الشعب ضروب العذاب. ومع التصعيد في القتل والوحشية الذي سلكه النظام المجرم وزجِّه للجيش في مواجهة الشعب كان لا بدّ من تنظيم للعمل المسلح في مواجهة الإرهاب الطائفي.
 
وبناءً على هذه الخلفية نشأت الكتائب المقاتلة التي تمحورت أهدافها حول حماية الشعب الثائر والسعي لإسقاط النظام وإقامة دولة العدل والقانون والحرية التي حُرِمَ منها السوريون أمداً طويلاً. ومع امتداد الثورة ودخولها في حرب ضروس مع نظام مجرم أعلن العداء المطلق وكانت حربه مع الثوار حرباً صفريّة، تطورت الكتائب لتصبح فصائلاً أكفأ تنظيمياً، لتستطيع مواجهة الحرب الشاملة التي يشنها نظام الإستبداد والإستعباد.

في خضم المواجهة الشرسة مع النظام بدأت في الظهور فصائل اختارت سقفاً أعلى من الأهداف المشتركة بين الثوار وهنا بدأ النسيج الثوري بالتفكك وضُرِبَ الإسفين الأول بين الثوار واخترق التمايز صفوفهم ممزقاً إياهم إلى قسمين الإسلاميين و الجيش حر.

عندما تُربَطُ الأفكار بالتنظيمات كجزء لا يتجزأ، ينحرف المسار ويتحول المناضل المجاهد  إلى تابعٍ يدور حول وثنٍ يقتل لأجله، ويسرق لأجله.

ثم ما لبث أن امتدّ التمايز ليكون ما بين الإسلاميين أنفسهم على وجهٍ لا يجهله متابع. بعد هذه المقدمات بدأت ظاهرة خبيثة بالتغلغل داخل الجسد الثوري لنشهد حملات عسكرية ضد الفصائل التي تقاتل النظام بذرائع متعددة منها الإفساد والعمالة، بلا أدلة قطعية!

من عايش المراحل الأولى للثورة لمس حالة التآلف والتماسك الشديد بين الثوار على اختلاف تطلعاتِهم! ما الذي غَيّرَ الثوار؟ وما الذي ضربَ التماسك والتآلف ليكون عداءً بعد أخوّة؟! لقد تنكّرَت كثير من الفصائل لأهداف الثورة الأولى، وهجرت الأفكار الأصيلة والقيم العليا التي أُنشِئت لها تلك الفصائل، فمنها من فسدَ وأخلد إلى الأرض، ومنها من استخدم الدين لمصلحته وبدأ بعملية معقدة للسيطرة على الأتباع وخطى خطوةً خطرة تجلت بربط الفكرة المقدسة بذاته.

هنا استوى الزرع وصار الجنود قطيعا يدور في فلك التنظيم فما يقوله التنظيم هو الحق وما يفتي به كهنته هو الدين وبتنا أمام مشهد مشابه لما تسلكه أنظمة الإستبداد! عندما تُربَطُ الأفكار بالتنظيمات كجزء لا يتجزأ ينحرف المسار ويتحول المناضل المجاهد في سبيل قيمٍ عليا شَرَعَها الله تعالى كالدفاع عن المستضعفين ومحاربة الظلم أو نشر العدل وتحرير الإنسان، يتحول إلى تابعٍ يدور حول وثنٍ يقتل لأجله ويسرق لأجله، شعاره أُعْلوا الإسلام وأفعاله أُعْلوا هُبَل!

وحتى لا نسكر على زخرف من القول وطنطنةٍ عاطفية، فالإسلام يدعونا لتحرير الإنسان من كل وثنٍ مهما كان شكله ولونه، ويدعو لإقامة العدل ومحاربة الظلم والفساد، فمن وافقه فهو المُتّبِع الحق، ومن خالفه في أفعاله فهو بقايا من صنمٍ مُحَطَّمٍ يجمع شتاته ليبني نفسه من جديد. احذروه وحَذِّروا منه لم نخرج لنهدم صنما كي نصنع صنما آخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.