شعار قسم مدونات

عقلية القطيع من منظور آخر

blogs- حلب
حسب هرم "إبراهام ماسلو" هناك العديد من الاحتياجات التي يسعى الإنسان للوصول إليها، وعدم إشباعها يصيبه بإحباط، وكذا مشاكل نفسية. يتدرج الهرم من الحاجات الأساسية من أكل وشرب مرورا بالحاجة إلى الأمان ثم الحاجة إلى التقدير وينتهي بالحاجة إلى تحقيق الذات. بعد الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى مأوى، تظهر لدى الفرد رغبات أخرى جديدة، وهي الرغبات الاجتماعية والتي تتمثل في حاجة الإنسان إلى الانتماء وتكوين علاقات اجتماعية عاطفية كانت أو أسرية أومهنية وأيضا الانتماء إلى أحزاب أو جماعات دينية.

يسعي الفرد إلى تحقيق هذا الاحتياج، ففطرته تجبره على ذلك غير أن هذه الجماعة التي سعى إلى الانتماء إليها تؤثر على سلوكه وفقا لما ترتكز عليه من مبادىء وأفكار فيصبح طائعا لها ممتثلا لأوامرها بدون تفكير أو وعي مسبق محاولة منه عدم خرق القواعد التي تعتمد عليها، والتي يؤمن بأنها صائبة وتمثله، لكنه بالدرجة الأولى يحمي نفسه وحياته، وهذا ما يصطلح عليه ب"القطيع الأناني".

هنا يبدأ الشخص الخاضع للتجربة بإعطاء أجوبة مماثلة لأجوبة أفراد المجموعة رغم أنها خاطئة، ظنا منه أنهم لا بد أن يكونوا على حق رغم تيقنه من جوابهم الخاطئ!

سنة 1973 قام العالم البيولوجي هاملتون(WD.HAMELTON) بنشر مقالته "هندسة القطيع الأناني" والتي مفادها أن كل عضو في مجموعة ما- كما هو الحال بالنسبة لقطيع الحيوانات- يخدم مصلحته أولا حيث يقلل الخطر على حياته بالانتماء الى هذه المجموعة وممارسة سلوكها وتبني أفكارها والدفاع عنها.

وقد أظهرت دراسة بالفعل أجراها "سالمون اسش" (Solomon Asch) بالعقد الخامس من القرن العشرين، فقد تم وضع ستة أشخاص تحت التجربة بهدف معرفة كيف تؤثر الجماعة على الفرد وكيف تروض سلوكه أو ما يصطلح عليه أيضا ب "التنميط الاجتماعي".

قدم لكل واحد من الأشخاص الستة بطاقة على كل واحدة منها يوجد عدة خطوط وطلب منهم النظر إلى الخط المرسوم على يسار البطاقة ومعرفة أي من الخطوط المتواجدة على أيمن البطاقة تعادله طولا. وفي الواقع من بين الأشخاص الستة المتواجدون داخل قاعة التجربة هناك فرد واحد فقط خاضع للاختبار أما الأشخاص الخمسة الآخرون فهم متعاونون مع الممتحن، مهمتهم هي إعطاء أجوبة خاطئة.

وهنا يبدأ الشخص الخاضع للتجربة بإعطاء أجوبة مماثلة لأجوبة أفراد المجموعة رغم أنها خاطئة ظنا منه أنهم لا بد أن يكونوا على حق رغم تيقنه من جوابهم الخاطئ، إلا أنه وبدون وعي منه لم يستطع الخروج عن نمط المجموعة، لأنه بكل بساطة أراد أن يتماشى مع الجميع وأن ينصاع لرأيهم.
 

يسعي الفرد إلى تحقيق هذا الاحتياج، ففطرته تجبره على ذلك غير أن هذه الجماعة التي سعى إلى الانتماء إليها تؤثر على سلوكه وفقا لما ترتكز عليه من مبادىء وأفكار.

وهذا دليل على أن عقلية القطيع هي أمر فطري بالكائنات الحية، تهدف من خلالها حماية نفسها وجنسها من الأخطار المحدقة بها، فانتماء الفرد إلى قطيع هو شيئ يحكمه رغما عنه مهما بدت له نفسه متفردة ومتميزة، إلا أنه يميل إلى التأقلم مع محيطه والاستسلام إلى قرارت هذا الأخير والتي تشعره بأمان نسبي.
 

فالشخص الذي يتهم مرارا وتكرارا الآخر بأنه من القطيع ربما لا يفقه أنه بدوره ينتمي لقطيع آخر يعتقد بصواب أفكاره وركائزه، فربما كان منتميا  لقطيع لناد رياضي، لنوع غنائي، لقضية ما يؤمن بها، فليس بالضروري أن يكون مصطلح "قطيع" شيء يعبر عن الجهل أو تطرف أعمى، فحتى الشذوذ والتفرد هو مشروع مستقبلي، وأرض خصبة لنمو قطيع جديد بأفكار ومبادئ جديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.