شعار قسم مدونات

ترشيد الخطاب الثّوري

blogs - مصر
إنّ المتتبّع لتاريخ الثّورات في العالم، خاصّة تلك التي تشابهت دوافع شعوبها مع دوافعنا للثّورة، منذ الثّورة الإنكليزيّة في عام 1688 إلى الفرنسية فالأمريكيّة وغيرها.. لن يجدَ أبدًا ثورة دعت إلى الحرّية وتصحيح النظام السياسيّ بما يتوافق مع القيم الإنسانيّة رافقها خطابٌ أيديولوجيٌّ أو حزبيٌّ أو مذهبيٌّ معيّن، فقد كانت الثّوراتُ دائمًا حلفًا أخلاقيًّا إنسانيًّا يدخل فيه الشّعبُ بكلّ مشاربِه ومذاهبه دون أيٍّ تقسيماتٍ أو تصنيفات عقائديّة ومذهبيّة، وذلك أنّ أهداف الثورةَ تهمُّ كلّ واحدٍ مهما كان انتماؤه السّياسيُّ أو العقديّ والمذهبيّ.

لقد غابت الأيديولوجيا دائمًا عن الثّورات، والثّورة التي تحضر فيها الأيديولوجيا تتحوّل إلى صراعاتٍ عدميّةٍ ملتوية الأهداف، ضائعة، أضلّت طريقها.. – لقد آن الأوانُ لأن ننقّحَ خطابنا وثورتنا لمزيدٍ من الوضوح، وبعيدًا عنِ الجدليّات العقيمة، لنجعل خطابنا خاليًا من المصطلحات التّصنيفيّةِ "الشرعيّة" عامّةً، والتي أصبحت مبتذلةً جدّا؛ واستعملها الجميعُ ضدّ الجميع!

إنّ الحرّية التي قصفنا النظام بالبراميل والكيماويّ لأجلها، وأرسلت داعش وأخواتها المفخّخات لقتلها.. اشترك أعداء الثّورة في تحديدها هدفًا لهم، وكذلك يصنع كلُّ الطّغاةِ والمستبدّين.

– لقد آن الأوان حقًّا، بعدَ كلّ الكوارث التي حدثت بسبب التوصيفات الشّرعيّة المُشكِلة، والانشغال بها عن مبادئ الثورة الخالية عنها، آن الأوانُ لأن ننتقلَ إلى التوصيف الحقيقيِّ الذي يجبُ أن يكونَ على أساسِ الثورةِ، والثّورةِ فقط..
 

– إنّنا لم نَثُر على النظام السّوري مثلا لأنّه نصيريّ كافر، وليس ذلك حتّى من الإسلام في شيء، بل لأنّه ظالمٌ وجلّادٌ وطاغيةٌ، قمنا لتحرير البلاد من ظلمه والانتقال بها إلى ضفّة العدل التي ستجمعنا بجميع الطوائف مؤمنِها وكافرها.
 

– ولا بدّ لنا لكي نتخلّص من هذه الفوضى "الشّرعيّة" والتي تسبّب في افتعالها الجميع، من نظام دفع إليها بدايةً ومن ثوّار استمرأوا التّقسيمات التي حدثت بين إسلاميٍّ وغير إسلامي، ومن متطرّفين ليسوا من الثّورة في شيء، لا بدّ من ترشيد خطابنا الثّوريّ ووضعه بين يدي شبابنا وثوّارنا لأنّه الأساس بدايةً، ولأنّنا بحاجة إلى ركنٍ شديدٍ نستند عليه في تحديد هويّتنا، وفرز الأصدقاء والأعداء، وإعادةِ روحِ الثّورة التي كُتبت أدبيّاتها بأصابعِ الأطفالِ على الجدرانِ، وصرخ بها الشّعب الثائر دون تكلّف أو أيدلوجيا.

– ما هوَ الدّاعي مثلًا لأن نستعمل مصطلحَاتِ (الخوارج والمرجئة والبغاة والسبئية والجهمية والأشاعرة والسلفية..) في خطابنا وبياناتنا، ما دام أنّ هذا الأمرَ قد أصبح مُشكِلًا كثيرا، ولم يَعد ينضبطُ البتّة وهو أصلًا لا ينبغي أن يطرحَ في سياق الثّورة..

– لقد رأينا من وُصِفوا بالخوارجِ يَصِفُون من وصفهم بذلك، أو أنّهم يصنّفونه من المرجئة. والجماعة الفلانيّة تُتَّهم بالبغي وتتّهم من تبغي عليه بالفساد وهؤلاء يكفّرون هؤلاء ويرمونهم بالرّدة.. وتتلقّى هذه الفوضى كلّها بكلّ إشكاليّاتها -التي تثار وتُقدّمُ بقالَبٍ شرعيٍّ- عقولُ شبابِنا هكذا بدون أيِّ تنقيحٍ أو تفكيك.. ويجدون أنفسهم تائهين بين نصوصٍ غريبةٍ عنهم، لا يعرفون كيف يسقطونها خاصّةً إذ يستحضر الجميع هذه النصوص الشّرعيّة، والتي يجيد كلُّ شرعيّي الفصائل ليَّ أعناقها بما يحتاج منهج الفصيل وسياسته.. وعندما يقعُ الشّباب في أزمةِ المصطلحاتِ والأدلّة والاجتهادات الشّرعية. فيحمّلُ الأمر ما لا يحتمل ويحدثُ ما لا يُستطاعُ ضبطُه.
 

– ألا يكفينا نحن الثّوار ما بدأناه في آذار من عام 2011 م حيث قلنا بدون إملاء "اللي بيقتل شعبه خاين" وحين صرخ الشّعب بأعلى صوته "الشعب يريد إسقاط النظام" و"حرية"

ما هوَ الدّاعي مثلًا لأن نستعمل مصطلحَاتِ (الخوارج والمرجئة والبغاة والسبئية والجهمية والأشاعرة والسلفية..) في خطابنا وبياناتنا، ما دام أنّ هذا الأمرَ قد أصبح مُشكِلًا كثيرا.

– إنّ الحرّية التي قصفنا النظام بالبراميل والكيماويّ لأجلها، وأرسلت داعش وأخواتها المفخّخات لقتلها.. اشترك أعداء الثّورة في تحديدها هدفًا لهم، وكذلك يصنع كلُّ الطّغاةِ والمستبدّين، والمنتظر من الثّائرين للحرّية أن يتمسّكوا بما ثاروا لأجله ولا يضلّوا الطّريق.

– متى سنقول بملء فمنا بأنّنا سننازعكم الحرّية بالدم والنّار.. سننتزعها ولو ضلّلتمونا وأبعدتمونا عن الطّريق.. لسوف تكفينا هذه العبارات الثّوريّة شر كل تلك الفوضى! بل إنّها ستفرز الألوان للقريب والبعيد.

– إنّ هذه الشّعاراتِ وهذا الخطابَ كافٍ لتحديدِ سياستِنا، ولا نحتاج معها لأيّةِ أحكام شرعيّة أو صِبَغٍ عقائديّة،.. وإنّ الفطرةَ التي أخرجت النّاس في الثورة لن تكذبهم.

– نستطيع أن نقولَ عندَها أنّ كلّ من يعمل تحت هذه الشّعارات والأدبيّات المقدّسة بروح الثّورة النقيّة، مرحّبٌ بجهوده وهو قريبٌ من الثورةِ قربَه منها؛ وكلُّ من يخالفُها فهو عدوٌّ للثورةِ بقدر مخالفتها.. بهذا فقط نستطيع أن نفاصلَ أعداء الثّورة؛ ونتلمّس سبلَ المواجهةِ الفعّالة، على طريق التّحرير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.