شعار قسم مدونات

البدايات والنهايات

blogs الأمل

وتطرق الحياة بابي كل يوم وكل صباح، يوم جديد جدير بأن ألغي كل صفقاتي المتوالية مع سبات طويل لا أعرف فيه نبضا للحياة وتضيع فيه جولات العمر هدرا.. فتعلن الشمس فيه بداية يومي وإفاقة حلمي، وإعطائي فرصة لتلافي كل خيباتي المتوالية في السقوط، مع كل يوم قادم تقدّم لي الحياة فرصا وأوقاتا لا تنتهي، تعدني مع كل آت أن ما زال هناك وقتا لكل الأحلام التي تحتاج ترميما، لكل الأحوال التي تحتاج تعديلا، لكل الفرص التائهة والضائعة، والصفحات البيضاء المفتوحة في كتاب الحياة التي تنتظر أن أملئها بكل شيء، أن ذات يوم ستفيق لي عيون على حلم يتحقق وأيام تشرق فيها السعادة مع كل صباح وتتألق..

أكاد أجزم أن عداءا مبطّنا بين ذلك الطباق الأليم: البدايات والنهايات في كل شيء يعترينا في هذه الحياة، فرغم محاولاتي الدائمة لأن أتمالك نفسي في البحث عن مبرّر يواسيني لكل تلك النهايات التي تخيّب ظنّنا في النهاية، فبعد أن تأتي البدايات التي تبهرنا وتأسرنا وتأخذنا فوق الغيوم، تفاجأنا النهايات بسرعتها وخيبتها وياليتها لا تأتي..

عندها فقط تأخذني رغبة عيش اليوم دون غده، وخوض تفاصيل البدايات وما يعلق بها من رتوش حتى الصميم، لا أرغب في استشراف ما سيأتي معلّقا جلّ آمالي فيما لا يأت وقد لا يأتي .. مع كل نفس قادم لي، كهدية من الخالق العظيم هناك هبة بكل جديد، هناك أماكن لم أزرها، ولحظات لم أعشها، هناك ما ينتظر خلف كل بعيد، ونبض قادم ستنبض به الحياة بكل جديد، هناك ما يعتمل في الغيب أحداثا وأوقاتا تنسج فيها السعادة لنا أثوابا من الفرح..

النهايات ذلك الختم الدقيق لما بدأ، والرسم العتيق المبطّن في كل نشئ، إنها ختم الختام، ولمسة أخيرة تضفيها على لوحة البدايات فترى الصورة تنقلب، والحقيقة تتوضّح وتتفتّح، لتأتي أخيرا معلنة انهزام البدء وانتهاء ذلك العرض

فالبدايات هي ذلك النور الذي يخفت من جنح الظلام مضيئا، يشعرنا بقدومه ونعيم مجيئه، فتأخذنا جماليّة البدء وتثرينا تفاصيل النشء، وما نلبث في الصعود مندفعين نحو قمم البدايات، حتى تفاجأنا نهايات لا توافق ذلك البدء فتخبو.. لي نبض دائم بالظن الجميل، ولي قلب نابض بذي الصفح الجميل، ولي أمل يتربّص بكل صبر طويل، أن ثمّة أماكن لم أزرها لي نبض فيها، ولي لحظات سيكون لي أمل وحلم يتحقق فيها، لي حياة تنتظرني دائما خارج هذه النوافذ وخلف تلك الجدران..

والنهايات ذلك الختم الدقيق لما بدأ، والرسم العتيق المبطّن في كل نشئ، إنها ختم الختام، ولمسة أخيرة تضفيها على لوحة البدايات فترى الصورة تنقلب، والحقيقة تتوضّح وتتفتّح، لتأتي أخيرا معلنة انهزام البدء وانتهاء ذلك العرض لتختم بها جولات وصولات مع كل أمل.. أعترف لنفسي أن ما يمضي يعشعش في داخلنا دون شك أو ريب، لكن فتيلا لا بد أن يحترق أولا كي ترقد تراقب شريطا يمضي بما فيه.. حكايات منسيّة.. وقلوب متعبة.. وعود مرجأة.. وسطور صامتة نابضة.. ستحضر وتشتعل في موقدك، كل ما أسعدك ومضى، كل ما أبكاك ومضى، وكل ما يمضي وما يزال في قلوبنا حياله شعور جميل، فيعتريها الحنين وينتقيها.. ويأخذنا اليها الحنين في كل حين. فوحدها الشمس قادرة على تلوين أثواب الحياة، ووحده الأمل يسدل الستار على أوجاعي ويجعل صبحي يتنفّس، وهناك لي مع كل صباح سعادة تنتظرني على بعد نجمة، على بعد غيمة، على بعد سجدة تشدّني دائما الى السماء فأبتسم …

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.