شعار قسم مدونات

فستان الوزيرة.. أزمة هوية عميقة الجذور

blogs - وزيرة الثقافة الإسرائلية
أثار ظهور وزيرة الثقافة الإسرائيلية "ميري ريغف" المحسوبة على اليمين الإسرائيلي المتطرف، في مشهد غير مألوف وهي ترتدي فستاناً يحمل صورة البلدة القديمة في مدينة القدس وقبة الصخرة أثناء مشاركتها في مهرجان “كان” السينمائي في فرنسا، غضب واستنكار كثيرين، وحالة من الاستغراب والاستفزاز في آن واحد، استغراب من الجرأة على الظهور بهذا المظهر الوقح، واستفزاز مقصود لمشاعر المسلمين والفلسطينيين والمقدسيين بشكل خاص.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا الآن وماذا تريد هذه اليمينية الإسرائيلية المتطرفة من ارتدائها مثل هذا الفستان في هذا الموطن بالتحديد؟ لقد فشلت دولة الاحتلال مؤخراً في إبعاد معالم الأقصى عن التراث العالمي، بعد أن صوّتت اللجنة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" لصالح مشروع قرار يؤكد أن المسجد الأقصى وما حوله هو تراث إسلامي خالص، وليس لإسرائيل أي حق تاريخي فيه، وأن إسرائيل تحتل مدينة القدس.

ما أرادته الوزيرة الإسرائيلية المتطرفة من الخروج بهذا المظهر في احتفال دولي بهذا الحجم؛ هو التزوّير والخداع لتاريخ وقدسية وملكية المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة، ومحاولة تغيير الصورة الحقيقية لمقدسات فلسطينية إسلامية معروفة تاريخياً احتلت منذ خمسين عاماً تقريباً، والهدف من ذلك تثبيت القدس كأحد المعالم اليهودية الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، وهذا ما صرحت به بكل وضوح من أن ارتدائها لهذا الثوب هو تعبير عما أسمته "السيطرة الإسرائيلية الكاملة على القدس" في هذه المناسبة.

الدور الإعلامي العربي تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هوية القدس، وكشف حقيقة ما يجري من تهويد ممنهج وممارسات عنصرية إسرائيلية احتلالية.

لقد مارست المتطرفة "ميري ريغف" دور اللص الذي يسرق على المكشوف ثم يتباهى بسرقته علناً بكل وقاحة، ضمن سياسة الاحتلال القائمة على الحرب والإرهاب والعنصرية التي تهدف لتهويد القدس وطمس المقدسات الإسلامية وتغيير هويتها وبسط السيطرة الإسرائيلية عليها بالقوة والخداع معاً، وإيهام العالم بأحقيتهم فيها بمختلف الأساليب والطرق والوسائل، لتحقيق حلمهم بإقامة الهيكل المزعوم، والتي باتت مخططاتهم في مراحلها الأخيرة من معركتهم التهويدية ضد مدينة القدس والمسجد الأقصى.

أهم ما يمكن أن أقرأه في ظهور المتطرفة "ريغف" هو أن الاحتلال الإسرائيلي الذي احتل فلسطين وأقام دولته على أرضها لا يزال حتى يومنا هذا يعيش أزمة هوية عميقة الجذور، وما مطالبات قادة كيانه المحتل المتكررة بيهودية الدولة إلا دليل على وجود هذه الأزمة، فارتداء الوزيرة "ريغف" فستانها بهكذا مناسبة كان المراد منه إرسال رسالة للعالم بأن القدس لإسرائيل كونها على يقين تام أن العالم يرى عكس ما تقول.

الاحتلال الإسرائيلي لن يدخر جهداً أو وسيلة كمثل هذه الأساليب والوسائل إلا وسيستخدمها لتمرير مخططه التهويدي على طريق تهويد القدس والمعالم الإسلامية وسلخها عن عروبتها وتغيير تاريخها وملكيتها على المستوى الدولي.

ما هو مطلوب اليوم وإزاء الرد على مثل هذه الوقاحة هو العمل على تفنيد ودحض المزاعم الإسرائيلية بملكيتهم لمدينة القدس والمسجد الأقصى، والعمل من خلال المؤسسات المختلفة بتسليط الضوء على تاريخ القدس وحضارتها وقدسيتها الإسلامية والمسيحية.

الدور الإعلامي العربي والدولي يقع على عاتقه دور ومسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هوية القدس الحقيقية، وكشف حقيقة ما يجري في القدس من تهويد ممنهج وممارسات عنصرية إسرائيلية احتلالية ومخططات إرهابية أوصلت الحال في مدينة القدس إلى مرحلة خطيرة بالفعل، وكما تقع مسؤولية كبيرة على المجتمع الدولي ككل بضرورة تحمل مسؤولياته تجاه مدينة القدس وحضارتها وإنقاذها من نير الاحتلال وتهويده الممنهج لها.

ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة القدس من محاولات تهويد كافة القطاعات المقدسية، يستدعي من الجميع العمل على حماية القدس بكل الوسائل ورفع مستواها العلمي والديني والوطني والتاريخي والسياسي والدولي، وتثبيت صمود المواطن الفلسطيني عليها، ورفض جميع المخططات الإسرائيلية الهادفة لإنهاء قضية القدس وتزييف هويتها.

معرفتي بالشعب الفلسطيني أنه شعب عنيد لا يفرط بحق ولا يتنازل عن قدسه أو أقصاه، متمسك فوق أرضه مهما كلفه ذلك من ثمن، فالقدس أهلها صامدون مستمرون بالعطاء.

الفستان الذي كان يجب على الوزيرة "ريغف" أن ترتديه في احتفال فرنسا هو الفستان المنمق بصور الدمار والاستيطان والتهويد وجدار الفصل العنصري وجرائم سفك دماء الأبرياء وبشاعة الإرهاب الذي ارتكبته دولتها بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، ليكشف الوجه الحقيقي للاحتلال أمام العالم أجمع.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني على مدار التاريخ أنه متمسكاً بترابه وأرضه وقدسه، وأنه لا معنى لكل الأرض الفلسطينية دون القدس والمسجد الأقصى، ولا يستطيع أحد أن يغير هوية القدس وتاريخها الأصيل، ولن يغير فستان وزيرة متطرفة التاريخ في لحظة أو احتفال أو صورة تم التقاطها، ألم تقرأ المتطرفة "ريغف" وقادتها الإسرائيليين الواقع جيداً، بأن سوأتهم انكشفت ولم يعد العالم يصدق لهم رواية، وكما يقول المثل "المكسو بلباس الغير عريان".

معرفتي بالشعب الفلسطيني أنه شعب عنيد لا يفرط بحق ولا يتنازل عن قدسه أو أقصاه، متمسك فوق أرضه مهما كلفه ذلك من ثمن، فالقدس أهلها صامدون مستمرون بالعطاء موحدون مصممون على المضي في مسيرة البناء حتى التحرير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.