شعار قسم مدونات

الإرهابي ذاكر نايك!

Zakir Naik, an Indian Islamic preacher and founder of Islamic Research Foundation, speaks to the media via a video conference in Mumbai, India, July 15, 2016. REUTERS/Shailesh Andrade
أُثِر عن الإسكندر المقدوني قوله: "أَعْطِني خطيبا مُفَوَّها وخذْ ألفَ مقاتلٍ شجاع"، بما يعني -حسب قوله- أنَّ لسانا حصيفا بليغا يَقصف ويَقذف وعَقْلا نابها مُتوقِّدا يَرصد ويُحلِّل وحضورًا كاريزماتيًّا يَطغى ويُسيطر؛ لهو أكثر فائدة وأقوى تأثيرا وأجلّ نفعا مِن ألْف جندي مُدجّج بالسلاح ومُدرّب على فنون القتال ومُتمرّس بساحات الوغى، وبهذا التفنيد كان هذا الداعيةُ المُفوَّه والأستاذُ المناظِر والذاكِرُ الحافِظ الذي يَجوب العالَم ليَرصد فكرة معوجَّة ويُفنّد عقيدةً ضالّة ثُمّ يَقصفها ويُدمِّرها إرهابيًّا بامتياز…

ودَعْك هنا مِن الاحتكام للعقل والقول بأنَّ الإرهابَ هو المَظهر الثاني للصراع بعد الحرْب، واضْرب الصّفْح أيضا عن التعريف المشهور للإرهاب بأنّه استخدام أو التهديد باستخدام العُنف لتحقيق مآرب سياسية أو دينية أو أيديولوجية؛ فليس بالعقْل تُقاس الأمور!
 
في مدينة مومباي الواقعة في الغرب الهندي والمُلقَّبة بهوليوود الهند وفي العام 1965م؛ وُلِد (ذاكر عبد الكريم نايك) لأسرة طبيّة مُسلمة، ثمّ تَخرَّج في كلية الطبّ على أمل تحقيق حُلم والدته في أن يَسلك درْب الجنوب إفريقي (كريستيان برنارد) والذي سجّلتْه لوحةُ الشرف الطبيّة كأوّل زارع قلوبٍ في العالم عام 1967م، ولكنّه وبُعيْد تَخرّجه ببضعة أشهر غادر طبَّ الأبدان إلى طبِّ الأديان؛ حيث ولج ميدان الدعوة مِن باب مقارنة الأديان، وأَنشأ مُنظَّمةً بحثيّة إسلاميّة للتعريف بالإسلام وتدريب الدّعاة، كما أسَّس شبكة تلْفزة السلام التي تَبثّ برامجَها الدعويّة على مدار الساعة بالإنجليزية والأوردية والبنجالية والصينيّة ويُتابعها عشرات الملايين مِن المشاهِدين في شتّى بقاع العالَم، وذلك ضمن خطة طموحة لاستكمال البثّ بأشْهر عشر لغات عالمية ضمن الاثني عشرة ألف لغة التي يَرطن بها سكّان المعمورة، وفي ترجمة حيّة واعية لدور الإعلام كورقة رابحة في عصر الصّورة والمعلومة، هذا بالإضافة إلى مؤلَّفاته العديدة التي تُرجِمت إلى لغاتٍ شتّى.

يَتأسّس منهج طبيبُنا وداعيتُنا في مناظراته وحواراته على المنهاج العقْلي، إذْ يَطعن الخصمَ بسيفِه ويُفحمه من كلامه ويُجيبه مِن فحوى سؤاله ويُدلِّل على صحّة دعوة الإسلام بفضْح التناقضات التي تعجُّ بها الكتُب المُقَدَّسة لِمُخالِفيه.

(رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي) بهذا الدعاء الوارد في سورة طه على لسان سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وبالصبر على المِران وبإرادة التحدِّي، قهَر طبيبُنا عثرةَ لسانه التي لازمَتْه في صغره وجعلته يرهب الحديث أمام بضعة أشخاص، وها هو اليوم بجسده النحيل ووجهه الصبوح، عقلا يتوقّد ذكاء وقلبا يشتعل حماسة ولسانا يتدفّق كالسيل، فيجوب القارّة تلو القارّة ويُخاطب الجموع الغفيرة حتى تَخطَّى عدد الحاضرين في إحدى محاضراته بالهند حاجز المليون، ممّا وضعه في قائمة أقوى مائة شخصية هندية في العام 2010م، وبوّأه شخصية العام الإسلامية في عام 2013م، وأهَّله لنيل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في العام 2015م والتي تبلغ قيمتها حوالي مائتا ألف دولار، وجعله أهْلا كذلك لنيْل الدجات العلمية الفخْرية من جامعات عالمية.

(ديدات الأكبر) هذا هو اللقب الذي أَطلقَه عليه أستاذُه الهندي المولِد أيضا والجنوب إفريقيّ إقامةً، اعترافا منه بتفوُّق تلميذه عليه، فقُبيْل وفاته في عام 2005م سجَّل الداعيةُ والمُناظِرُ والكاتبُ في مقارنة الأديان (أحمد حسين ديدات) شهادتَه فيه كأخْلص مُرِيد وأَنْجب تلميذ قائلا: "يا ولدي ما أَنجزْتَه أنتَ في أربعة أعوام استغرق مِنّي أربعين عاما".

يَقينًا سيَغمرك العجبُ وتَعتريك الدهشةُ مِن تلك القدرة الفائقة التي يَستظهر بها (د. ذاكر) الآيات القرآنية بأرقامها وسُوَرها حتى يُخَيَّل لسامعِه أنه يَقرأ مَن المصحف، بل ويفعل الشيء ذاته عند استشهاده بالأناجيل والتوراة أو الكتُب الهندوسية والبوذيّة، مِمَّا دعا الكثيرين للاستفسار منه عن سرِّ تلك الذاكرة التي لا تخونه والحافظة التي لا تخذله والبديهة التي لا تفارقه، فكان جوابه في ثلاثة مفاتيح لخزانة ذاكرته الحديدية؛ أوّلها الثقة بالله (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)، وثانيها الاجتهاد (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)، ثمّ يأتي بعد ذلك تَعلُّم تقنيات الحفظ والاستيعاب (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

ويَتأسّس منهج طبيبُنا وداعيتُنا في مناظراته وحواراته على المنهاج العقْلي، إذْ يَطعن الخصمَ بسيفِه ويُفحمه من كلامه ويُجيبه مِن فحوى سؤاله ويُدلِّل على صحّة دعوة الإسلام بفضْح التناقضات التي تعجُّ بها الكتُب المُقَدَّسة لِمُخالِفيه، متمثِّلا في ذلك أدب الخلاف وحُسْن الجدال الذي أَمر به الشَّرع وقعَّد له الشافعي وأبو حنيفة، ومُتَحرِيًّا كسْب الخصوم لا هزيمتهم، ورافعا شعار "تَعالَوْا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم"، وهذا ما اسْتمال إليه العديدِين وأَقنَع بدعوته الكثيرين فهداهم الله للإسلام على يديْه.

بعد أشهرٍ قلائل يُنهي طبيبُنا وداعيتُنا -غيْر الإرهابي- عامَه الثاني والخمسين، وها أنذا أَدعو -ومعي الملايين- ممّن يَتُوقون لرفعة الإسلام ويَتحرَّقون شوقا لعزِّه ونصْرته، بأن يُعلِيَ الله له قدْرا وأن لا يُسكِت له صوت.

قبل عام تقريبا وفي ثنايا كتابي "أطباء فوق العادة" سطَّرتُ بكلِّ إعزاز تلك الكلمات الآنفات عن الطبيب الداعية (ذاكر نايك)، وذلك ضمن ثلاثين طبيبا آخَرين عُرِفوا واشْتُهِروا في غيْر مجال الطبّ، وها أنذا أُعيد نشْر ما كتبتُه لعلِّي أُسهم في قطع يد العدالة الهنديّة التي ركبت موجةَ الإرهاب بفجاجة لا نظير لها وتَبنَّت زعْما أوْهى مِن خيوط العنكبوت، حين اتّهمَت رجلا لا يَحمل في جيبه إلا المسواك ولا يَملك في ترسانته إلا اللسان ولا يَرمِي إلّا بأحْسن الجدال، فكان حسْب زعْمهم مُمارِسا لغسيل الأموال ومُؤجِّجا للفتن بين الأديان ومُديرا لمؤسَّسات خارجة عن طائلة القانون، وعلى نغَمهم غيْر الشجيّ عزفَت بعض الدول الأجنبية التي تَتبنَّى خطاب الإسلاموفوبيا؛ فاعتبرتْه شخصا غير مرغوب فيه، وحظَرت دخوله جنّة أراضيها الزّاهِرة وحرَم ديارِها المُقدَّسة!

والحقيقة أنّ تهمة الإرهاب صارت لعبة مفضوحة ودعْوى مًعلَّبة تُمارسها بعض القوى الحاقدة هنا وهناك، بعدما أُجهِض حُلمُها في محوْ الإسلام بالكُليّة أو في تدْجينه وحبْسه في الزوايا والقبور أو في تركيعه أمام ذهب المُعِزّ وجاه الشّاه أو على أقل تقدير في إلجامه ليبقى محدودَ الأثر قليلَ الخطر عديم الإزعاج مَنزوع الدّسم، وأَخْشى ما أخشاه أن يَتعدَّى الأمرُ هنا مجرّد تشويشٍ وشغَب على رجل بريء، إلى تضييق حقيقي بغرض خنْق وتجريم ونسْف مؤسَّساته الدعويّة والإعلاميّة التي صارت مِلء السمع والبصر، خاصّة بعدما استجابت الشرطة الدولية وأصدرت مذكرة توقيف، وفي خضمّ هذا الظرف الدولي البائس الذي خفَتَ فيه صوتُ العقل وخرستْ فيه الحكمة وبات ما يَرفضه المنطقُ يَقبله الواقعُ برحابة صدْر ورباطة جأش.

بعد أشهرٍ قلائل يُنهي طبيبُنا وداعيتُنا -غيْر الإرهابي- عامَه الثاني والخمسين، وها أنذا أَدعو -ومعي الملايين- ممّن يَتُوقون لرفعة الإسلام ويَتحرَّقون شوقا لعزِّه ونصْرته، بأن يُعلِيَ الله له قدْرا وأن لا يُسكِت له صوتا وأن يكتب له في كل خطوة حظوة وتوفيقا، عساه يُعيد أمجادا غابرة حَكَم فيها الإسلامُ الهندَ على مدار ألْف عام خلَتْ قبل أن يَحطّ البرتغالي (فاسكو داجاما) على سواحلها ويَفتح الباب بعده للاستعمار البريطاني الذي دخل تحت عباءة شركة الهند الشرقيّة…"ولله الأمْر مِن قبل ومِن بعد ويَومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.