شعار قسم مدونات

يومَ أن كانوا وكُنّا

blogs - مصحف
أين عدلُ عمر في يومنا؟ وااااامعتصماه! يا لعزة إسلامنا وأمجاده! كان يُطافُ بأموال الزكاة في الطرقات فلم يجدوا لها مستحقاً! ركعَ الطغاة يوماً أمام عظمة وقوة دولة الإسلام! ملكنا العالم بقوتنا وعلومنا وحضارتنا! عباراتٌ وشعاراتٌ تتردد مراراً وتكراراً في مجالسنا وطرقاتنا ونقاشاتنا، تُرى ما الأمر وما الذي حصل؟ فبعد أن كانت الحضارة الإسلامية. أصبحت ذكرى وتاريخاً يُمجّد ويُذكر ويشارُ إليها يوماً بعد يوم.. وبعد أن كانوا هُمْ! أصبحوا تاريخاً معاصراً يتغنّوا به ويقدّسوه ويتغنى وينجرٌّ خلفه بعضنا وللأسف!

إن المتأمل في الواقع المعاصر لعالمنا الإسلامي بشكلٍ عام وعالمنا العربي بشكلٍ خاص، يدرك كمّ المعاناة والتشريد والخذلان والقتل والتدمير والضياع والانفلات والنزاعات والمناكفات التي يعيشها هاذان العالمان، بينما لو نظرنا للشق الآخر من العالم وهو الدول الغربية وغير الإسلامية والتي يغلب عليها الأمن والأمان والاستقرار والازدهار الاقتصادي، بل وإن شئت فقل السياسي والديمقراطي، وهو الأمر الذي تكاد تجده منزوعاً من بعض دولنا العربية والإسلامية وبكل أسف.

لو وقفنا مع كل واحدٍ منهما وقفةَ تأمُّلٍ وتفكر، لوجدنا أنَّ المسلمينَ والعربَ قادوا وسادوا وملكوا الدُنا حينما تمسكوا بالنور القرآني والهدي الرباني والسراج النبوي والشعاع الإسلامي المنير، وحين كان هذا هو المنهاج والدستور الوحيد الذي يحتكم إليه بنو الإسلام، كانت الحضارة والفتوحات جميعها تُبسط لدولة الإسلام حيث كانت وشاءت، أمّا حين تخلى أبناؤها عن شرع ربها وسنة نبيها وبدأوا ينسلخون عنها يوماً بعد يوم تحت شعار الانجرار نحو التقدم والرقي والثقافة والحضارة الكاذبة والزائفة والديمقراطية الفانية، كانت السنن الكونية خير ردٍّ عما فعلوه ولنا في كتاب ربنا خيرُ دليلٍ على ذلك حين قال الله عز وجل: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) فهذه هي عاقبة الأمة التي تتخلى عن شرع ربها ومنهاج نبيها ودينها، يستبدلها الله بأقوامٍ يتمسكون بحبل النجاة والمشكاة المهداةِ لهذه الأمة ألا وهو القرآن الكريم وديننا الحنيف، حتى يُرجعوا لنا عهداً ومجداً قد أضعناهُ بأيدينا على مر الأعوام التي مضتْ.

أيقن الاحتلال وأتباعه وأجهزته وأنظمته أن الحل الوحيد للقضاء على الإسلام وأهله، هو طمس كتابهم وحبل نجاتهم من قلوبهم وأفكارهم ومعتقداتهم، واستبداله بما يُخيّل إليهم أنها الحضارة المتقدمة.

وعلى النقيض من ذلك لو نظرت للأمة الغربية والكافرة، لوجدتها منذ القدم كانت تعيش في حالة التيه والانحطاط والتخلف والرجعية، وكانت ذيلاً في قوائم الأمم الإسلامية والعربية التي تبوأ علماؤها وأبناؤها مراتب التميز والإبداع في العلوم المختلفة، ولكن ما إن بدأت الحروب الصليبية على الإسلام ودويلاته المنتشرة في شتى الأقطار، بدأ الغرب يفكر كيف يستيقظ من غفلته وتخلفه الذي عاشه وبدأ بالتصدر شيئا فشيئا حتى بات يملك العلم والمال والقوة والمقدرات التي تؤهله لسيادة العالم والتربع على عرشه خلفاً للخلافات الإسلامية التي مضتْ.

وبدأت هيمنته تطغو وتسيطر على الدول العربية التي جاءت بعد تقسيم الغرب لبلاد العالم الإسلامي والعربي حسبما تقتضي مصالحهم ومخططاتهم ومؤامراتهم المستمرة، حتى رأينا عروش بلداننا العربية تنحني إجلالاً وإكباراً للدول الغربية الكافرة خوفاً من أن تطالها رياح التغيير أو طمعاً برضاها والظفر بالبقاء تحت جناحها المهترئ، والتودد لكسب حفنةٍ من الأموال التي تُباع الوطنية عند بعضهم من أجلها، أو لهثاً وراء شعارات الديمقراطية الكاذبة والمصطنعة.

"يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم"، هذا ما تحدث به الحاكم الفرنسي في الجزائر بعد مرور مائة عام على احتلالها، حيث أيقن الاحتلال وأتباعه وأجهزته وأنظمته أن الحل الوحيد للقضاء على الإسلام وأهله، هو طمس كتابهم وحبل نجاتهم من قلوبهم وأفكارهم ومعتقداتهم، واستبداله بما يُخيّل إليهم أنها الحضارة المتقدمة والديمقراطية الرائدة والأفكار المعاصرة، وبالفعل نجح هذا الاستعمار الغربي في إدخال مصطلحاته وثقافته وما يرنو إليه لكثير من أبناء الأمتين العربية والإسلامية، وما وجود الطواغيت والحكام وبطاناتهم ومن يلُفُّ حولهم في وقتنا الحاضر إلا خيرُ دليل على هذا.

لكن؟ متى ستستفيق أمتنا وتعود لسيادتها وريادتها من جديد والعودة لسُدّة الحكم والقيادة؟ ومتى تعود لشرع ربها وسنة نبيها محمد صلَّ الله عليه وسلم، ومتى ستَعِي وتفهم وعد ربها للمؤمنين والمستمسكين بدينه وشرعه من خلال القانون الرباني (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِيِنَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) استخلافٌ وتمكينٌ وأمنٌ وأمان، هذا ما وُعِدَت به الأمة من ربها العدنان إذا اعتدلت وعادت لكتابه التبيان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.