شعار قسم مدونات

يا عزيزي كلنا مساكين

blogs - كلمات ولكمات

بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم  خشي على نفسه ورجع إلى زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها قالت له كلمات تسطر بماء الذهب ( كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق) هنا ظهرت فراسة وقوة السيدة خديجة رضي الله عنها في أبلغ الكلمات التي قيلت وكيف بكلامها هدئ من روع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت له سكنًا وداعمًا قويًا، وهذه بعض من متطلبات الزوجة الصالحة أن تواسي زوجها في المحن والشدائد إذ أن الكلمات لها أثر بالغ في تثبيت القلوب.

فإن حاجة الناس إلى العطف أمر ضروري في هذه الحياة المليئة بالهموم والمتاعب، فأثر الكلمة الطيبة على النفس كأثر الماء على النار إذا قد يكون الإنسان لا ينتظر أي شيء غير كلمة طيبة تشد من أذره وتهون عليه الصعاب وتشرح صدره المكلوم، ولكن أغلب الناس الآن بخلاء حتى بالكلمة الطيبة وكأنهم يدفعون للكلام أجورًا فماذا عليهم لو قالوا كلمة طيبة ولكنهم ما بين البخل وبين عدم حب إظهار التقدير لصاحب الكلمة، فإما أن تسمع كلامًا ثقيلاً أو صمتًا غريبًا أو تهميشا لدور فعال تقوم به.

أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام في دعوته لفرعون أن يقولا له قولاً لينًا، لأن الدعوة تحتاج إلى بصيرة مع لين جانب مع صبر وتحمل.

فإذا كانت الابتسامة كان لها كل هذا الأثر الكبير في جلب النفوس وتوزيع الشحنات الإيجابية على الناس وإذا كان التبسم في وجه أخيك صدقة فكيف بالكلمة الطيبة التي تعيد الثقة والثبات في الأشخاص لأننا في النهاية بشر ضعفاء تهشمنا الكلمة القاسية وتكسب قلوبنا وتؤثرها الكلمة الطيبة. 

أتذكر قصة إديسون مع والدته عندما عاد إديسون إلى بيته من المدرسة يحمل رسالة من المدرسة فقرأت والدته الرسالة وبعد أن قرأتها بدلتها بسرعة عالية وقالت له (ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه وعلى قدراته، عليك أن تعلميه بالبيت) ومرت السنوات وتوفت الأم وتحول إديسون إلى مخترع عظيم، وفي أحد الأيام كان يبحث بخزانة والدته وجد رسالة كان نصها (ابنك غبي جدا، فمن صباح الغد لن ندخله إلى المدرسة) بكى إديسون لساعات طويلة وبعدها كتب في دفتر مذكراته، إديسون كان طفلا غبيًا ولكن بفضل والدته الرائعة تحول إلى عبقري.

وما قصة فرعون ببعيد حيث أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام أن يقولا له قولاً لينًا، لأن الدعوة تحتاج إلى بصيرة مع لين جانب مع صبر وتحمل فالكلمة الطيبة اللينة مع هؤلاء قد تكون طريقًا لهم للدخول في دين الله، فالبرٌ شيء هين وجه طليق وكلام لين، وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.

من السهولة أن تجد انتقادات كبيرة لكل شيئ تفعله وكلام يؤثر عليك بالسلب لكن عندما تنجح وتفعل شيئا يستحق الثناء أو التشجيع يقفون مكتوفي الإيدي خرساء لا ينطقون، ولو أثنوا يكون على مضض، مع أن التشجيع أمر مهم جدًا خاصة للمبتدئين في شيء حديثًا. نحن قساة جدا مع أنفسنا ومع بعضنا البعض حتى إننا لا نشجع من يستحق التشجيع بالفعل وقد ننافق من لا يستحق التكريم.

إذا كان التبسم في وجه أخيك صدقة فكيف بالكلمة الطيبة التي تعيد الثقة والثبات في الأشخاص لأننا في النهاية بشر ضعفاء تهشمنا الكلمة القاسية.

نحن جميعًا مساكين سواء كنا رجالاً أو نساء، فقراء أو أغنياء، صغارًا أو كبارًا، بل إن الكبار يحتاجون إلى العطف والاهتمام والحب والحنان كالأطفال، بل إن الجنس البشري كله يحتاج إلى العطف حتى أولئك الجبابرة والسفاحين، قال الأديب الألماني جوته ( قلب الإنسان كبير جداً لا يملأه شيء وهش جداً يكسره أخف شيء).

لماذا كانت زيارة المريض لها أجرًا عظيماً؟ لأنك بزيارتك تتدخل السرور والسعادة على المريض وتقول له عبر زيارتك أنا أتذكرك وأدعو لك بالشفاء، وجميع المناسبات أمر الله أن نتشارك بكلمات ودعاء لأصحابها من أعياد وميلاد ومواساة أهل الميت كل ذلك من باب العطف وإسعاد القلوب. 

فعلينا أن نترك الجفاء ولو قليلاً ونحسن الحديث مع بعضنا ونراعي كلماتنا التي تخرج من أفواهنا ونزيد الحب والعطف بيننا فكل منّا يقاتل في جهة ما فكن رحيمًا رفيقًا بمن لا تعلم ما في قلوبهم وتذكر كما تدين تدان حتى في الكلمات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.