شعار قسم مدونات

هل تُصلح الكيمياء ما أفسدَه الهاشميون؟

blogs - الحوثيون
في الفترة الأخيرة تُثير كلمتي "الهاشمية، والهاشميين" في اليمن قضية ديالِكتيكيّة تاريخية، في البداية وحتى نفهم الموضوع بشكل أوضح لا بد أن نستحضر مفهوم من هم الهاشميون وما هي الهاشمية؟ 
الهاشميون هم من يَنْتَسبون للنبي – محمد صلى الله عليه وسلم – وهم فرع من قبيلة قريش ويعود تسميتهم بالهاشميين إلى هاشم الجد الأكبر للنبي.. والهاشمية هي مصطلح سياسي، وفكرة دينية، وجماعة من الناس تدعي أحقية دينية في الحكم لمن يمُتّ في نسبه بِصلَة مباشرة الى الرسول عن طريق حفيده الحسين وابنته الزهراء، أي أن الحكم يعتمد على رابطة الدم والحمض النووي الهاشمي، ويستدلوا ببعض الأحاديث والآثار الصادرة عن بعض علماء المسلمين أوعن النبي نفسه.

وفي الواقع أنا هنا لست عالم شريعة ولا حتى عَنّيت نفسي في البحث كثيراً حول هل لهم الأحقية في الحكم – بهذه الطريقة – أم لا؟ لأني أُنكرها ولا أؤمن بها – جملة وتفصيلا – وأعتقد أن من أصل الدين الإسلامي العدل والمساواة، وأن من الظلم حتى أن نفكر في أن النبي قال بأشياء منافيةٌ لأصل الدين. لذا ما الهاشمية السياسية في واقع الأمر إلا ضربٌ من ضّرْوب الغباء وشكلُ من أشكال الهذيان والجنون والاستحمار، سيحاسبنا الله على سكوتنا عليه وستحاسبنا الأجيال القادمة.

وما المشكلة الحاصلة الآن في اليمن في الواقع إلا مع فكرة الهاشمية السياسية والهاشميين أنفسهم كركيزة أساسية لهذه الفكرة، وبالنسبة للهاشميين فلو باستطاعتي تصنيفهم لقلت كتصنيف الأديب أمين الريحاني حين قال في سادة اليمن عندما زارها: "هم كما في طبقات الناس كلها ثلاثة أنواع الشريف طبعاً، والشريف وراثة، والذي لا شرف له" وبرأيي هم الأغلب.

في القرن العاشر ميلادي، وفي الوقت الذي قد عمَّ انتشار فكرة الهاشمية السياسية في أجزاء من بلاد الديلم بفارس، قدِمت هذه الأسرة من العراق إلى اليمن متمثلة بيحيى الرسيّ، والذي فيما بعد اعترف به إماماً، ليحكم من جبال اليمن وتَهَائِمُ جزيرة العرب، بعد سنوات قليلة أسس طائفة الزيود والتي لا تختلف عن الشيعة إلا أنهم يرون في يحيى الرسيّ أو أي من ذريته، الرئيس الروحي، والممثل الشرعي للرسول، وفيما بعد كان المذهب الزيدي أحد استراتيجياتهم في السيطرة على الشعب اليمني؛ لأنه قائم على الولاء لآل البيت مما يجعل الخروج عن هذا الولاء نوعاً من الردة. وهنا يجب الانتباه إلى أهمية الفصل بين زيدية الإمام زيد كمدرسة فكرية ثورية لها حضورها في أوساط الشعب اليمني، وبين تغليف فكرة "الأئِمَّة الهاشميين" بالزيدية.

جاء "الأئِمَّة الهاشميون" يدّعون نسبهم للنبي، وأن الأحقية بالحكم لهم، وأن الحكم في القوي من هذه السلالة، مع بعض الشروط التي جعلت الأسرة نفسها مسرحا للصراعات الدائمة على الإمامة.

واستمرت هذه السلالة تحكم ما يزيد عن ألف ومائة سنة من تاريخ اليمن، حتى قيل إنها أطول عائلة حاكمة في العالم، إلا أنها في أغلب الأحيان لم تسيطر على اليمن بأكمله، وكانت تكتفي بالمناطق الجبلية.
يُلاحِظ أي باحث في حضارة وتاريخ اليمن أنه كان لليمن دور بارز، ورجال أفذاذ يُضرب بهم المثل، ويُفتخر بهم في شتى المجالات، سواء قبل الإسلام أو مرحلة ما بعده، إلى قبل مجيء هذه العائلة وفكرة "الأئِمَّة الهاشميين"، فيُلاحَظ أن اليمن عاشت عصور ظلام كما أشار لذلك الباحث الكبير عبدالفتاح البتول في كتابة "خيوط الظلام".

سُمّيًت اليمن في التوراة "بالبلاد الغنية" وسماها الرومان "بالبلاد السعيدة"، وطمعت فيها أغلب الإمبراطوريات لجمالها الآسر وموقعها الفريد، لكنها خيبت ظنونهم ولم يفلح في اِحتلالها اِحتلالاً مبيناً تاما أي أحد.

تأسست في اليمن إمبراطوريات عظمى، حكمت شبه الجزيرة العربية وأجزاء من شمال أفريقيا، كما تشير النقوش المعينية، وتأسست فيها أنظمة للحكم ودول احترمت العهود والقوانين، وبَنَت السدود، والصهاريج، وأَوْجَدَت أعاجيبُ الاختراعات التقنية، وكان لليمنيين الموسيقى، والعادات، والتقاليد، والأديان الخاصة بهم.

جاء "الأئِمَّة الهاشميون" فاستغلوا رقة فؤاد الإنسان اليمني فجاؤوا له من نقطة مهمة بالنسبة له، تقديس الدين، اليمني يقدس الدين منذ الأزل، حيث عاش اليمني في دولة سبأ يعبد القمر والشمس والكواكب ويقيم الطقوس الدينية ويبني المعابد.

ولأن اليمنيين يقدسون الدين؛ فقد دخلوا الإسلام عندما جاء الى اليمن في شهر رجب برسالة مباركة وانخرطوا تحت لواء المشروع الإسلامي. وقدس اليمنيون النبي لمكانته الثابتة؛ فجاء "الأئِمَّة الهاشميون" يدّعون نسبهم للنبي، وأن الأحقية بالحكم لهم، وأن الحكم في القوي من هذه السلالة، مع بعض الشروط التي جعلت الأسرة نفسها مسرحا للصراعات الدائمة على الإمامة، وبينما كانت تمر بمراحل النزاعات والصراعات هذه؛ كان المشائخ يعلنون قبائلهم إمارات مستقلة، وأصبحت البلاد بسببهم وفكرهم المُعوَّق قريبة من الانحلال، والتفسخ، إلى أن جاء العثمانيون وحسموا أمور الخلافات الداخلية ووضعوا أسسا للوحدة، لِيعود "الأئِمَّة الهاشميون" من جديد بعد أعوام، يشَحَذُون عود الدولة في أوج مراحل صراعها مع أوروبا، وتخرج بعصيان مشبوه فيه، لينتهى الأمر بملكية هاشمية متوكلية، أخذت البلد لأعمق وأقتم نقطة في سديم الفشل الحضاري للإنسان إطلاقا!

جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م، الله .. كم أحترم هذه الثورة! وكيف استطاعت أن تسقط أركان هذا النظام وتجتث هذا النوع من أنواع الحكم الذي جَثَم على صدور اليمنيين لعدة قرون.

هاجر اليمني كثيراً.. وانتقل لأغلب البلدان، كما كانت بلاده مَحَطّ وسوق عالمية للتجارة حيث سارت بها عبر القرون والأجيال، القوافل المثقلة، حاملة من وإلى بلاطات الأمراء في بابل وآشور وإيران وإلى أمراء آسيا الوسطى، كانت اليمن شهرتها داوية في العصور القديمة حتى إن الملك الإسكندر الأكبر، قرر اعتزامه العيش فيها بعد فتحه للهند.

رغم كل هذا التمازج الثقافي والتجاري الذي حظيت به اليمن، إلا أنه جاء "الأئِمَّة الهاشميون" يفرضون على اليمن عزلة كبيرة فاقت عزلة شعب التبت الموجود بين الصين والهند بقيادة الدالاي لاما. حيث لم يحترموا تاريخ هذه الجغرافيا الجليلة والمثيرة ولا تاريخ وحضارة هذا الشعب المجيد. هناك أسطورة تقول إن قابيل دُفن في اليمن بعدن، قابيل هو أول قاتل من البشر، يبدو أن الأئِمَّة الهاشميين لم يحترموا من هذا التاريخ كاملاً إلا هذه الجزئية فقتلوا التاريخ والشعب.

إلى أن جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م، الله .. كم أحترم هذه الثورة! وكيف استطاعت أن تسقط أركان هذا النظام وتجتث هذا النوع من أنواع الحكم الذي جَثَم على صدور اليمنيين لعدة قرون، يجب علينا تقديس هذه الثورة؛ فقط لأنها خلصتنا من هذا الفساد التاريخي، والنقطة السوداء من تاريخ اليمن.

وفي نهاية المطاف يأتي هؤلاء "الأئِمَّة الهاشميون" الجدد – الحوثيون – وبصورتهم الهاشمية الإمامية العَفِنة بدلاً من أن يحاولوا تنظيف وإصلاح تاريخ أجدادهم المليء بالعَفَن، بدلاً من أن يُحِبوا هذا الوطن الذي احتضنهم ألف سنه ويزيد، ويُحِبوا له الخير والحياة، ها هم – كالأغبياء تماماً – يقتلون الحياة ومحاولات النهوض واسترجاع المكانة التاريخية له، بدلاً من أن يغسلوا تاريخهم بحامض الفينيك وماء الورد صباح مساء ليطهروا ولو جزءا منه، ها هم بحماقاتهم يزيدون الطين بلة – وفي الحقيقة – حتى لو غسلوا تاريخهم العَفِن الأسود بجميع مطهرات الكيمياء هل تُصلح الكيمياء فساد التاريخ؟! هل تُصلح الكيمياء ما أفسدَه الهاشميون؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.