شعار قسم مدونات

لا تندهشوا

blogs - ناس في الشارع
صباح الخير ولا تندهشوا إن رأيتم الناس يتصبحون بالخير ويتمسون بالخير، في حين أنهم قد غفلوا عن الطاعات، وغلفتهم المعاصي، وباتت أحلامهم استيطانية مليئة بالأحقاد، وأساس معاملاتهم هو الغل والحسد. لا تطالبوهم بأن يقولوا صباح اللاخير مثلاً، ولا تنتظروا أن يكفوا ألسنتهم عنها، فقط استمعوا ولا تندهشوا.

لا تندهشوا من تقلبات الحياة وعثراتها، فإن المتعة تتلخص في ما يحتفظ به عقلك من ذكريات، وألمها يتلخص في ما نحاول أن ننساه، فتأتي علينا لحظات نحاول احتضانها قبل أن تتلاشي، ولحظات أخري نتمني لو يزورنا الموت قبل وصولها، لكنها الحياة لذيذة مرهقة، جذابة منفرة، مقبولة كما هي، راضين فيها بتغير الحالات والأحوال دون اندهاش. وما بين امتزاجنا بالحياة وبعدنا عنها ثمة ذكريات نصنعها لنضحك وذكريات تأتي لتبكينا، فلا تندهشوا إن كان أكثر ما يبكبنا هو ما كان بالأمس يضحكنا ويحيينا.

أحياناً تمنعنا الحياة عن مطاردة أحلامنا بين جنبات هذا الكون، وأحياناً تسلبنا حريتنا، وفجأة نجد أنفسنا بين ثنايا المسئولية، تلتهمنا الحياة دون اندهاش لنجد أننا بين مجموعة من المتبلدين الحمقي الذين إذا ما خالطتهم تجد ألف سبب يثنيك عن مجالستهم، فما بين سفاهة أحلامهم وتشوهات أفكارهم ومرض عقولهم، وما بين رضاهم عن حالهم ثمة قبر قد أغلق عليهم، إنهم موتي لا محالة رغم حياتهم فلا تندهشوا.

لا تندهشوا لأننا في زمن لا قيمة فيه لعالم ولا مفكر بقدر ما هي لكل رجل منتفخ البطن، عالي الصوت، سليط اللسان، كثير المال، بذئ. لا تندهشوا إن رأيتم أصحاب الهمم في لجات جحيم الدنيا، يشربون صديد عسيرها، ويقومون الليل بين طيات سوادها الحالك، يسجدون لله سراً مخافة أن تنالهم يد تبطش بهم، ولعلنا نري ما يلاقيه المستضعفين في بورما وبعض دول أفريقيا.

الكاتب يتجلي دوره، وتبرز قيمته عندما يكتب ما يبصر، ويبدع في إظهار الحقيقة، ويواجه بحريته كل كائن وكل مؤسسة وكل مخادع، ويُبرز الحقيقة للناس مهما كانت العواقب إثر كلامه.

لا تندهشوا إن رأيتم كثيراً من الأئمة والعلماء والسياسيين مضطهدين إن تكلموا عن العلم والأدب، إن تحدثوا عن الجهاد، إن تحدثوا عن الغلاء واستغلال حاجة الناس، أو مكافحة التطرف الفكري أو الفساد الإداري، فمن البديهي جداً أن يتم إمساك ألسنتهم ومنع تفكيرهم واجتهادهم، وجعل الحديث حكراً لذوي المناصب، لذلك إن رأيتم من العلماء من يضل الطريق ويواكب التيار كي يظهر ويذكر اسمه فلا تندهشوا.

لا تندهشوا إن لهث الناس نعال المسئولين طلباً للقمة تشبع بطونهم التي لا تشبع، ثم ترضواْ عن كرمهم وأخلاقهم ومساعدتهم لهم، ونسوا أن هؤلاء المسؤلين مسؤلين لا محالة، فأين حقوق الناس، ومن أين لكم تلك القصور؟! وما بين غني يبطش وذليل يسأل تجد كادين وكادحين شرفاء لا يسألون الناس إلحافاً ويحمدون ويشكرون الله سراً وعلانية فيزيدهم ويغنيهم الله من فضله فلا تندهشوا.

وإن تأملتم الحياة جيداً لا تندهشوا إن وجدتم المصائب لا تأتي فرادي، بل تأتي متتالية، ويرجع ذلك لسببين من منظوري: أولهما: الإختبار الإلهي للبشر -وهو معروف-  وثانيهما: منحة التغيير.

فتأتي منحة التغيير متفاوتة أيضاً، لأن المصيبة ليست كجارتها، كما أن العقول ليست متشابهة، فكل يعرف طريقه الصحيح الذي يتوجب عليه السير فيه. تأتي المصيبة لتغير طريقة تفكيرك وتكشف شيئاً بداخلك يدفعك للأمام، أو لتغير مسارك كله وتبدأ من جديد لتحقق نجاحاً مبهراً، أو لتمنع اندفاعك وتسرعك وتتريث قليلاً قبل اتخاذ قراراتك، أو لتغير اهتماماتك فلم تعد الموسيقي تسحرك، ولا صوت أنغام يطربك.

لا تندهشوا لأن الحياة برغم مرارتها مليئة بالهبات والمعطيات، ولا يلزمكم إلا أن تعرفوا كيف تواجهونها فلا تندهشوا من الصدمات وأكملوا طريقكم وإن ضللتم الطريق فاستعدوا جيدأً لتبدأو من جديد دون اندهاش. أصدقائي الأعزاء الصبر فرض، والرضا فرض، والسعي فرض، والقراءة فرض.

لا تندهشوا إن زرتم معرض الكتاب ورأيتم الناس يهتمون بالتقاط الصور أمام دور النشر دون الاهتمام بما تنشره الدور، ونسوا الغاية التي أنشئ المعرض من أجلها، وأعني هنا غاية الإطلاع والثقافة، شراء ما ينفعهم في حياتهم، حتي لو لم تتح لك فرصة لشراء ما أعجبك، يكفيك أن تلقي مؤلفاً تضعه ضمن قائمة اهتماماتك وتشتريه في وقت لاحق.

لا تندهشوا إن وجدتم كثير من الكتب قد انتهت طبعاتها بمجرد نشرها، فالقارئ الجيد لو امتلك مالاً لاشتري ألف ألف كتاب في يوم واحد، ولو أن له قصراً لملأه بالكتب التي لن تشبع نهمه مهما زادت، ولن توقفه عن القراءة إن قلَّ عددها في مكتبته، وما من شئ في تلك الحياة يستحق الإهتمام كما تستحق القراءة.

لا تندهشوا إن وجدتم دور نشر لا تهتم سوي بالربح فقط، لا أحرم ولا أجرم الربح من تجارة الكتب، لكن البعض يدعي وصلاً بالثقافة وهي والله لا تقر لهم. لا تندهشوا إن رأيتم بعض الفتيات يلتففن حول مسخ متسخ يضع أمامه حفنة وريقات محبورة، إن قرأتم منها شيئاً تأففتم، لكنهم مهووسون كغيرهم بما يلمس عاطفتهم وقلوبهم الضعيفة، التي تتأثر بخواء يناسب خواء عقولهم وأذوقهم الفاسدة، أمر واقع لابد أن تتأقلم معه، لكن لا تتعاطف معهم، ولا تظهر لهم اهتماماً، دعهم في لهوهم وعبثهم وأكمل طريقك دون توقف. وإياك أن تندهش.

المعلمون أنفسهم، كانوا يهتمون جيداً بطريقة التلقي، والتي لا تفيد سوى النبيه اليقظ، في حين يضيع الأقل نباهة، والمتوسط، لذلك إن سافر مصري إلي أي دولة يتميز على غيره لأنه يجد متعة في طريقة التعليم التي يعلمونه بها.

لا تندهشوا من انتشار الشعراء والكتاب عراة الفكر واللغة ولا تبالوا بمدعي الثقافة فاسدي الذوق، المخدوعون، فإن الكاتب يتجلي دوره، وتبرز قيمته عندما يكتب ما يبصر، ويبدع في إظهار الحقيقة، ويواجه بحريته كل كائن وكل مؤسسة وكل مخادع، ويُبرز الحقيقة للناس مهما كانت العواقب إثر كلامه.

فمهما قرأتم من كتب ومهما تعلمتم من علوم، لا تسمحوا لأنفسكم أبداً بادعاء العلم، أو التصدر لأي فتوى في أي علم غير تخصصكم أو مجال بحثكم، فقد قالوا قديماً من كان شيخه كتاب، "فخطؤه أكثر من الصواب"، وإن وجدتم من يفتي الناس دون علم فلا تندهشوا لأن هذا كله يرجع إلي المؤسسات التعليمية.

وفي منظوري المتواضع، لا بد للدولة أن توفر أفضل الاستراتيجيات التعليمية، وليس هذا بالأمر المستحيل، ولكن لا تندهشوا لأن الطرق المستحدثة والأنشطة التعليمية ومعرفة الفروق الفردية بين الطلاب ليست سوي معلومات درسها بعض أساتذتنا وهي للأسف غير مطبقة في كثير من مدارسنا، اللهم إلا في بعض المؤسسات التعليمية الخاصة الربحية، التي تعد تعليمياً أكفأ من مدارس حكومية كثيرة.

لا تندهشوا لأن المعلمين أنفسهم وإن كنا لا ننسى فضلهم علينا، كانوا يهتمون جيداً بطريقة التلقي، والتي لا تفيد سوى النبيه اليقظ، في حين يضيع الأقل نباهة، والمتوسط، لذلك إن سافر مصري إلي أي دولة يتميز على غيره لأنه يجد متعة في طريقة التعليم التي يعلمونه بها.

وفي النهاية لا تندهشوا لأن الحياة تمنحنا بقية أمل بوجود بعض الطيبين فيها، ربما يكونوا علي هيئة جدات أو أمهات وربما شخص يشبهك فتشاركه جزءاً من حياتك أو حياتك كلها، وربما طفل صغير يعني لك الدنيا ويعلمك كيف تحيا، فإن كان بمقدوركم أن تحيوا فاغتنموا الفرص، وإن لم تقدروا ووجدتم غيركم يعافر فلا تندهشوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.