شعار قسم مدونات

علويو مصر

blogs - السيسي

أعادها مرارا وكررها من غير مناسبة حتى بدت الجملة ملفتة لي على الأقل، وهي تأتي بغير موضعها، لم يكن الرجل العتيق في أحسن أحواله وهو يسجل شبه شهادة عن مرحلة من أكثر مراحل سوريا الحديثة غموضا ومأسوية، نصف قرن من حكم آل الأسد، يتحدث عنها عبد الحليم خدام من عاصر معظمها في برنامج المقابلة على قناة الجزيرة، في الحلقة الأولى كرر الجملة "ودول الخليج قدمت مساعدات مالية كبيرة للأسد" بعد تسلمه منصب رئيس الجمهورية.
 

حافظ الأسد استلم رسميا الرئاسة في آذار 1971 بعد "استفتاء شعبي" صوري تبع انقلابه العسكري في تشرين الثاني 1970 أما خدام فقد كان جزءا من هذه المرحلة وما سبقها وما تلاها، وهاهو يقدم شهادة عنها ويقول إن الأسد بعد تسلمه الحكم أرسلت له مساعدات مالية كبيرة من الخليج، لم أجد تفسيرا منطقيا لتكرار هذه الجملة سوى أن الرجل يريد أن يضيف لمخزوننا من الحقد على حكم الأسد أنه أيضا أهدر مالا كثيرا كان يستجديه باسمنا، ويصله من الأشقاء لمساعدتنا.
 

هذه العبارة فتحت بابا للسؤال، أين ذهبت الأموال؟ خدام أجاب بإيجاز، أنا وغيري نعرف بالتفصيل، أين أنفقت ولأنني لا أريد أن أسجل شهادة، ولا أسعى لأن أحرمكم من متعة متابعة الجزء الثاني سأكتفي بمشاركتكم بما دار في رأسي وقت متابعتي للمقابلة، عدا عن النيكوتين الكثيف دارت في رأسي مقارنة وتقاطعات بين حالتين وتاريخين ومأساتين ورجلين..
 

"علويو مصر" هم الثلة التي ترونها كل يوم وتسمعون عن تصرفاتها، هي الفئة التي تذهب بمصر والمصريين إلى مصير "معلوم" يشبه مصير سوريا بعد أعوام من تسلم الأسد السلطة.

اشترى الأسد ولاءات ونفوذاً إقليمياً وخرب مؤسسات الدولة لتطويعها ووأد مشروع سوريا الديمقراطي وأسس الفروع الأمنية وأقام مملكته الخاصة التي ورّثها لاحقا، وحاشيته ثلة من العلويين وقلة من الآخرين، وما استحضاري هذا إلا خدمة لمقارنتي، ولإسقاطه على حالة فاقعة مشابهة حد التطابق عنوانها عبد الفتاح السيسي الذي أدخل المحروسة بذات النفق، وكأنه يؤدي دورا بحرفية في فيلم عن رحلة حافظ الأسد، لا فرق بين الرجلين ولا سيرتهما وإن كنت أتحفظ على نظرية التاريخ يعيد نفسه، فإنني أعتقد أن الأشخاص والأنظمة وحتى الشعوب يعيدون الأخطاء نفسها دون أن يتعلموا من النتائج، أو أن هذه النتائج تغريهم للمحاولة، للمغامرة..
 

انقلاب عسكري على نظام الحكم، خيانة للرفاق، وتفرد مطلق، بعض سمات بداية الأسد، يقابلها انقلاب السيسي على نظام شرعي "تائه"، لكن ذاك التيه مبرر كونه جاء بعد ثورة شعبية في بلد تمكنت القوى المضادة من حصد قرابة نصف أصوات الشعب ولها أذرع وأدوات في كل مفاصل الدولة، انقلب السيسي على رئيسه كما الأسد وعين رجلا لا يكاد المصريون يتذكرون اسمه، أما استفتاء سوريا الصوري فقابلته مظاهرات صورت على أنها إرادة شعبية لا تقبل سوى رحيل مرسي ونظامه، دمر الحلم الديمقراطي ووصل للحكم "سيسي".
 

عبارة خدام تعبث برأسي "دول الخليج قدمت.." نعم قدمت للسيسي، فكما أخطأت دول الخليج وحسُن ظنها، هي التي آمنت يوما بأن الأسد يمكن أن ينهض بسوريا ويعظم دورها في الحظيرة العربية، أعاد بعضها ذات الأمر مع السيسي لكن خاب الظن، ولتكتمل الحكاية وتصدق الرؤية كان لابد للمنقلب من أن يعيد ذات الأفعال بذات الرؤية، فأين صُرف مال الخليج الذي وهب للمصرين وأهدره السيسي؟
 

لا نحتاج أربعين عاما ليكشف لنا السر أحد رفاق دربه كما يفعل خدام بل نحتاج فقط لأن نتابع ما يقوله بحرقة، ونغمض عيوننا ونقاطع السرد التاريخي مع الأحداث التي تشهدها مصر، ونصاب بالدهشة والإحباط على التوالي.. اشترى السيسي ولاءات ونفوذا وخرب المؤسسات وعزز سطوة الأمن وبطش الشرطة ودجن الإعلام وتحالف مع الأعداء وأقام مملكته الخاصة وحاشيته ثلة من "العلويين" وقلة من الآخرين.
 

لا تتسرعوا.. لم أخطئ فالكلمة كتبت عمدا واستخدامها هنا كصفة وليست كتعريف، "علويو مصر" هم الثلة التي ترونها كل يوم وتسمعون عن تصرفاتها، هي الفئة التي تذهب بمصر والمصريين إلى مصير "معلوم" يشبه مصير سوريا بعد أعوام من تسلم الأسد السلطة، فئة من البشر يعيشون في حياة ترف ونفاق لا يعكر صفوها سوى أنين الأغلبية المسحوقة التي تعيش في ضنك، وتهتف باسم السيسي هو ذاته الأسد الذي نشر صوره في كل مكان وعيون أجهزته ليراقبوا حتى الأنفاس ويعتقلوا كل مخالف ويمنعوا ويضيقوا ويصادروا الحريات بل الحياة.
 

لست مصريا لكنني أرى وأسمع وأعرف كيف يجيش السيسي منظومة إعلامية لتدجين الشعب وتخويفه وتخديره وهذا صرف عليه من مال المساعدات الخليجية للنهوض بمصر، صرف الأسد على شراء الولاءات وعزز الجيش بمن بايعوه ملكا مطلقا وكانوا مختارين على أساس طائفي فأصبح الجيش للعلويين والأمن والشرطة ورؤوس المؤسسات الحكومية التنفيذية، وصرف على ذلك التخريب مال الخليج، أما "علويو مصر" فهم اليوم في الجيش والأمن والوزارات والمؤسسات والقضاء ومجلس النواب وكل أركان الدولة يصفقون ويهتفون ويثمنون عاليا أي فعل يقوم به السيسي حتى هراءه في المجالس يصبح ذا قيمة.. يا إلهي لو قرأ المصريون تاريخ سوريا والأسد لوجدوا أنفسهم في كل الصفحات، مال الخليج خطأ عندما يمنح لهؤلاء لكن درس الأسد لم يعلم أحداً فعادوا الكرة مع السيسي.
 

لا تستمعوا لما سيقوله خدام في شهادته لأن ما عاصره من أفعال حافظ الأسد وما سيدلي به يتكشف اليوم نتائج على الأرض في بلد لم يبق منه الكثير ليتحول لكومة ركام على يد الوريث وحاشيته.

عبارة خدام تؤلمني.. وأنا اعرف أن الأسد وقف مع إيران بينما كان العراق يحاربها ويدعمه الخليج، الأسد يدعم كأي ناكر للمعروف نظام الخميني بمال الخليج الذي يحاربه، والسيسي اليوم يغازل طهران وموسكو في أشد أوقات عدائيتهما للعرب، ويستضيف الانقلابين اليمنيين في القاهرة ويتحفظ على مشاركة جيش مصر في عاصفة الحزم باليمن، ويدعم جيش بشار الأسد بمال الخليج أيضا، يشتري ولاءات في الجيش المصري ليغضوا الطرف عن تخاذله في دعم الأشقاء ويفتحوا بابا لدعم جيش الأسد، تدخل الأسد في لبنان ونسج سلسلة علاقات فاسدة وعاث به فسادا وكرس استيلاء حزب الله "الإيراني" على لبنان وبذات السلوك يفعل السيسي ذات الأفعال في ليبيا، وبينما كان الخليج يسعى للضغط على العالم لأجل القضية السورية العادلة كان مندوب السيسي يصوت بحادثة لا تتكرر على مشروعين متناقضين في مجلس الأمن أحدهما روسي مضاد للإرادة الخليجية.
 

"علويو مصر" يا سادة هم السيسي وبطانته التي سوغت له حفر قناة من مال المصريين لابتزازهم وسوّقت للمشروع "الوهم" على أنه أكبر مشروع قومي في التاريخ الحديث، "علويو مصر" هم من شنوا هجوما غير مسبوق على حكومة مرسي عنما ارتفع سعر صرف الدولار بضع قروش وبرروا وصول الدولار لعشرين جنيها في زمن السيسي، وهم من تطاول على الخليج بطريقة رخيصة في لحظة حقيقة كشفت الكثير، لكنها تشبه إلى حد بعيد وسائل إعلام الأسد..
 

لا تستمعوا لما سيقوله خدام في شهادته لأن ما عاصره من أفعال حافظ الأسد وما سيدلي به يتكشف اليوم نتائج على الأرض في بلد لم يبق منه الكثير ليتحول لكومة ركام على يد الوريث وحاشيته، ولم يبق من أهله نصفهم، والنصف الآخر إما سحقت أجسادهم الصواريخ أو ابتلعتهم البحار أو هاموا على وجوههم في دول النزوح واللجوء، في الخيام ينتظرون موتا لا يأتي.. لا نتمنى هذا المصير لمصر لكن علويي مصر لو استمروا في غيهم سيصلون بها إلى مصير "معلوم".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.