شعار قسم مدونات

طير بلا جناح

BLOGS - حزن

منذ بدأت عملي الجديد وهي تتعامل معي بلؤم كبير كما تتعامل مع الجميع في الشركة بنفس اللؤم، إلى الحد الذي جعلني أعتقد أنها تكره الجميع وتكره نفسها معهم. ظل موضوع اسمها يحيرني لماذا هي تكره اسمها لهذا الحد؟ ولماذا دائما تفكر في تغيره؟ لماذا يكون لها اسم مسجل على الورق الرسمي بروان وتجبر الجميع بمناداتها باسم أخر كإلين؟ 

حتى أنني مرة ناديتها باسمها الأصلي فوجدتها تنظر إلي نظرةً حادةً وتتأمل فيَّ حتى بأدق تفاصيلي، حتى أنها لم تجبني للدرجة التي ظننت بها نفسي بلهاء، فقررت أن لا أناديها إلا باسمها الأصلي حتى أعلم السبب وراء كرهها له، لا أعلم إن كانت تكرهني سابقا ولكنني متأكدة من أنها تفعل ذلك الأن.

وفي أحد الأيام وبينما كانت هي عائده إلى منزلها بعد دوام يوم طويل، في ذلك اليوم كنت قد تأخرت للساعة التاسعة مساءا؛ حيث كان لدينا عمل مشترك متراكم في جميع الأقسام وكانت المنافسة حاده بين الجميع، التقيت بها عند باب الأصانصير وفي نيتنا النزول إلى الكراج، وعندما فتح الباب علق كعبها وكانت مسرعة جداً ولم تنتبه حتى أنها سقطت على الأرض ولم يكن وقتها أحد سواي.

وعلى الرغم من سوء تصرفاتها معي ومع الأخرين إلا أنني لم أتردد للحظه واحدة في مساعدتها، حاولت إخراج قدمها من الكعب العالق في باب الأصانصير، وبرغم صراخها أخرجتها ولكن يبدو أن قدمها كانت قد كسرت، فساعدتها على النهوض واتكأت علي برغم ألمها وسرنا حتى وصلنا إلى سيارتي حيث أوصلتها إلى المشفى هناك، وبقيت معها حتى وقت متأخر من الليل وكانت مصدومة من بقائي بقربها ومستغربه من كل مساعداتي لها.

خلال التسعة أشهر من التعب، تسعه أشهر من الإرهاق الشديد، من السهر المضني من المرض من الحمل الثقيل، نادرا ما كان ينظر إليها بنظرة عطف أو ود أو حتى أن يتعامل معها بالحسنى

وبعد أن تم تجبير قدمها أخذتها معي لأوصلها إلى بيتها، وهي لم تنبس بكلمة واحدة، كانت فقط تنظر إلي، وعندما صعدنا إلى السيارة سألتني لماذا بقيت ولماذا لم أتركها وأذهب لماذا ساعدتها؟ أخبرتها بأني لو تركتها ما كنت سامحت نفسي على ذلك في يوم، عندها بدأت في البكاء ونظرت إلي باستغراب وبعدها حولت نظرها إلى النافذة في حاله من السكينة والسكون وصمتت وبدأت بالقيادة لإيصالها إلى المنزل وعندها بدأت تتحدث.

خلال مده حملها لم يكن ليملك الوقت الكافي ليطمئن عليها أو ليكون معها كان دائم السفر، دائم العمل، وأحيانا دائم اللهو، لم يكن ليسمع ما تقوله عن تعب أو ألم كان يدعي انشغاله الدائم.

خلال التسعة أشهر من التعب، تسعه أشهر من الإرهاق الشديد، من السهر المضني من المرض من الحمل الثقيل، نادرا ما كان ينظر إليها بنظرة عطف أو ود أو حتى أن يتعامل معها بالحسنى.

هي تذهب للولادة وقد تلد بعملية قيصرية تعرض حياتها للخطر إما بتخدير كامل قد لا تفيق بعده أو بتخدير جزئي قد لا تتمكن بعدها من المشي، يشق بطنها عده مرات بعدد أطفالها، أو قد تلده بولادة طبيعية والولادة الطبيعية تعتبر ثاني أقسى ألم في العالم تأتي بالترتيب الألمي بعد الحرق حيا، تذهب متخليه عن نفسها عن حياتها لتمنح طفلها الحياه مقابل ان تراه.

وبعد أن ينقطع حبل الطفل السري عنها يأتي هو لينظر إليه بكل برود إما ليتأكد بأن ما أتاها فتاة فيظل يعيرها بها طوال العمر أو ليأتيه ولد فيحمل اسمه، وهو وحده الذي يملك حق صلاحيه اختيار الاسم للطفل أما هي فلم تكن لتملك حتى قرارا في أبسط الأشياء حتى اختيار لاسم الطفل لا تملك قرارا فيه فالأمر ليس من صلاحياتها!

وعندما ولدت هذه المرة أيضا كانت فتاه بنت وبعد أن مارس صلاحياته واختار اسما لي غادر وتخلا عنا نحن الاثنتين بحث عن زوجة جديده لتنجب له ولدا وتركنا نصارع وحدنا في هذه الحياه أنا وأمي وأختي الكبرى، لم يتعرف علينا أبدا رحل إلى عمل جديد في دوله أخرى وتزوج هناك من امرأة أخرى أتعس حظا من أمي لأنها أنجبت له ولدا.

أعتقد أن زوجه أبي كدودة القز تموت وتقتل في مياه مغلية لتمنح الحرير لمن لا يستحقونه، ربما هي كذلك لا أدري لكن أمي التي كابدت كثيرا في هذه الحياة لربما هي أفضل حظا

استغربت فنظرت إليها وسألتها لماذا تظنين أنها أتعس من أمك؟ فأجابت وهي لم تغير نظرها عن زجاج السيارة ولم تنظر للحظة واحدة في عيني، صحيح أنها أنجبت أولادا ذكورا وفي نظر المجتمع هي محظوظة جدا لبقاءه معها، لكنني أعتقد أن إنجابها للأولاد ألزمها البقاء معه طوال العمر تخيلي، أعتقد أن حظها كان أسوء من حظ أمي، فتخليه عن امي جعلها امرأة أقوى أم تلك المسكينة وربما حتى أولادها مثله لن يحملوا الاحترام أو التقدير لها ولا لأي امرأة أخرى فمنظورهم للحياة سيأتي من منظوره.

أعتقد أنها كدودة القز تموت وتقتل في مياه مغلية لتمنح الحرير لمن لا يستحقونه، ربما هي كذلك لا أدري لكن أمي التي كابدت كثيرا في هذه الحياة لربما هي أفضل حظا.

وفي يوم مرضت أختي مرضا شديدا وكانت بحاجه لعملية وأنا كنت أبلغ التاسعة من عمري، كانت أكبر مني بسنتين، حاولت أمي إدخالها إلى المشفى لإجراء عملية لها فلم تفلح فالقانون وقتها كان يتطلب وجود ولي الأمر، في تلك اللحظة فقط تخلت عن النظر من النافذة لتنظر إلي نظرة حادة مليئة بدموع يحبسها الكبرياء، ثم قالت تخيلي ولي الأمر الذي لم يكن في يوم موجود هو أيضا الوحيد صاحب صلاحيه التوقيع على دخولها للعملية، ثم عادت ترمي بنظرها لخارج النافذة، أمي تتصل به عدة مرات ومرات حتى يحضر ليوقع على العملية، تترجى ولي الأمر وفي النهاية بعد مدة من الذل والترجي والتوسط مع أهله حضر لينقذ حياه البنت التي أنجبتها زوجته، لكنه جاء متأخرا فقد كانت تحتضر.

 

إننا نؤذي أنفسنا أكثر مما نؤذي الأخرين نملئها بالحقد والكره والتعامل السيء في الوقت الذي نستطيع أن نمنحها السلام والسكينة ونمنح المحبة للأخرين فلكل منا قصته التي تروى بشكل أو بأخر

كانت هذه المرة الأولى التي أراه فيها والمرة الأخيرة، فبعد أن وقع غادر مسرعا لم يكلف خاطره حتى بالتعرف إلينا أو النظر إلى بنات زوجته فهو لم يعتبرهم ينتمون إليه في يوم غادرنا دون حتى أن يودع ابنته التي فارقت الحياة بسبب تأخره في الحضور، غادر ولم أره بعدها ولن أره، دخلت الغرفة على أمي وجدتها تقبل يد أختي ولا تتوقف عن البكاء وتساءلت كيف يملك هو كل الحق والصلاحيات وهي لا تملك فيما تملك وتمنح شيء؟ أليس ظلماً؟ كيف استطاع هذا الرجل سحب هذه الصلاحيات منها باسم القانون، العرف، المجتمع والعادات والتقاليد التي كان هو أيضا صاحب صلاحيه وضعها؟!! 

أوصلتها للبيت وبعد أن اطمئننت عليها عدت إلى المنزل وأخذت أفكر كثيرا كيف لنا أن نحكم على الأشخاص دون أن نسمع منهم؟ لماذا لا نمنح أنفسنا فرصة التعرف عليهم وعلى ظروفهم؟ لماذا نعاديهم؟ نحن حين نفعل ذلك إنما نؤذي أنفسنا أكثر مما نؤذيهم نملئها بالحقد والكره والتعامل السيء في الوقت الذي نستطيع أن نمنحها السلام والسكينة ونمنح المحبة للأخرين فلكل منا قصته التي تروى بشكل أو بأخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.