شعار قسم مدونات

تعاطي الإرهاب

blogs - إرهاب
إننا كمجتمعات عربية مستهدفون من أعداء كثر جندو أنفسهم وجندوا شبابنا لطعننا في خواصرنا، فمنذ قرون والعالم العربي يتقلب على جمر المؤامرات والمخططات، فما إن تتهيأ للعروبة فرصة الوقوف حتى تنهال عليها الرماح وتطعن في الظهور من أبنائها وبني جلدتها، لتسقط وتتداعى الأمم على قصعتها فتأكل من لحمها وتشرب من دمها.

في اتصال غريب من نوعه، أقدم "داعشي" في الكويت على الاتصال بالقوى الأمنية من أجل طلب اعتقاله لأنه يخشى قتل أسرته على ما يبدو. وتبادر إلى ذهني صورة المدمن الذي كبلته المخدرات ورمت به في قعر مظلمة، فصرخ ونادى بأعلى صوته كي يمدّ له حبل النجاة فيخرج من دوامته المظلمة، التي نغصت عليه حياته وأضاقت عليه الأرض بما رحبت.

ومن خلال ذلك تبين لي أن الإرهابي هو متعاطي لنوع من أنواع المخدرات من شكل آخر ومختلف. فمن أساليب الأعداء للنخر في المجتمعات وهدم ثروتها الشبابية وزعزعة أمنها؛ ترويج المخدرات وهدم عقول الشباب بالسخافات والمحرمات، ويبدو أن العدو تنبه إلى ما هو أخطر من ذلك، ألا وهو تجنيد الشباب عن طريق ملء عقولهم بأفيون الإرهاب المخدر، كي يحرقوا أنفسهم ويهدموا المجتمعات.

إن المتعاطي للإرهاب بحاجة لمصحة خاصة لاستئصال سرطان الإرهاب المخدر، فكما أن المريض النفسي أو الجسدي يحتاج لمشفى للعلاج من أوجاعه فكذلك نحن في حاجة لمصحة تعنى بمريض الإرهاب.

وبمقارنة بسيطة نجد أن المخدرات تهرب على شكل حبوب أو شراب أو مسحوق، والإرهاب يهرب على شكل كتاب، أو شريط أو محاضرة، مهربو المخدرات يلجأون إلى الحيل في تهريبهم لسمومهم عبر وضعها في إطار أو خضار أو داخل أحشاء حمار، وكذلك الإرهاب يلجأ لتهريب مخدر الأفكار عبر وضعه في خانة نصرة المظلومين والجهاد، أو عبر تفخيخ أنصاف المتعلمين بقليل من العلم والكثير من الجهل والتعصب، أو عبر مزج وخلط الحق بالباطل فيشبته على عامة الناس ولا يستطيعون فلترته واستخراج الخبيث منه، المخدرات معول هدم والإرهاب معول هدم، المخدرات تغيّب عقل الإنسان، والإرهاب يغيّب إنسانية الإنسان.

الإرهاب قد يدخله الإنسان عنوة، ثم يجد نفسه أمام نوع من أنواع التعاطي الذي يصعب التخلص منه، مثله تماما مثل متعاطي المخدرات، فالمخدرات تخدر الجسم، والإرهاب يخدر الفكر.

إن المتعاطي للإرهاب بحاجة لمصحة خاصة لاستئصال سرطان الإرهاب المخدر، فكما أن المريض النفسي أو الجسدي يحتاج لمشفى للعلاج من أوجاعه فكذلك نحن في حاجة لمصحة تعنى بمريض الإرهاب؛ لتشخص حالته وتصف علاجه المناسب، وإن كان مرضه خطيرا وسينتشر في المجتمع واستعصى علاجه فينبغي التخلص منه قبل أن ينتشر المرض في بقية جسد الأمة، وأتذكر هنا تجربة المملكة الرائدة في مركز الأمير نايف –رحمه الله- للمناصحة والرعاية، حين شخصت الحالات وجندت لها رجال العلم لإخراج شبابها من جحور الظلام، وقد ساهم المركز بشكل كبير في خفض حرارة الإرهاب والحد من انتشاره، فشبابنا بحاجة لمن يفهمهم ويمد لهم يد العون ويقنعهم ويناقش أفكارهم بالأفكار، وتشددهم باللين والرحمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.