شعار قسم مدونات

تدعونه فلا يستجاب لكم

blogs - مسجد
(ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) عبارة أسبقها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بقسم (والذي نفسي بيده) مؤكدا ومشددا على أمر جلل، مشيرا إلى أمر فيه خلاص الأمة وعزها إن فعلوه، وهوانها وذلها إن تركوه.

(لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر) وها هو الصادق المصدوق يكرر تأكيده على الأمر بلام القسم ونون التوكيد، ويعيد التأكيد على النهي مرة أخرى، وكأنه بحالنا صلى الله عليه وسلم الآن، فالآمر بالمعروف منبوذ في أغلب الأحيان، والناهي عن المنكر محارب، نعيش في مجتمع قد تغلغل الفساد في جميع أعضائه، فمن منا الآن إذا رأى خطأ أو مفسدة تحل في المجتمع يقوم على تقويمها؟!

أين دور الآباء والأمهات في إرشاد أبنائهم والعمل على توجيههم في ما يرضي الله؟ يا ترى كم من الآباء والأمهات من لا يعلمون عن صحبة أبنائهم شيئا، ولا يعلمون فيما يصرفون أموالهم، حتى كم من الآباء الذين من المفترض أن يكونوا رعاة مسؤولين أمام الله عن أطفالهم قد جمعوا أبناءهم أمام الشاشات والمحطات في متابعة مسلسل هابط فاجر ماجن، أو برنامج يدعو إلى العري والتفلت والانحلال، مبررين ذلك على أنها تسلية ومتعة، كم أم تسترت على أخطاء ولدها مع بنات الناس بحجة أنه مراهق أو أنه ( شاب وبدو يشوف حياته)، وكم من أب انخرط في العمل والبحث عن المال وأخذته الدنيا أيما مأخذ تاركا وراءه ذرية ضعافا يواجهون تيارا من الفتن والأهوال دون مرب أو سند أو راع.
 

أما علماءنا فقد انشغلوا في فتاوى مفسدات الصيام ونواقض الوضوء، وترى في خضم ما تعيشه الأمة اليوم من أسى وابتلاء يصعد بعض خطباء الجمعة ليتكلموا عن مواضيع تصيب المستمع لها بنعاس لبعدها عن الواقع وعدم ملامسة متطلبات المجتمع وهمومه، متناسين الأمراض الاجتماعية التي تنخر في المجتمع من تفكك أسري وقطع الأرحام وسوء في الخلق وعدم أمانة في العمل وإسراف في الأموال وغيرها من الآفات المجتمعية أو متعامين عن تصرفات كثير من الشباب وإعجابهم بالحضارة الغربية وتتبعهم بكل تفاصيلها، عفوا أخطأت عندما قلت كل تفاصيلها، فقد أخذوا منهم ما يضرهم وتركوا ما ينفعهم.

الفساد موجود لكن المشكلة أن لا يوجد من يوقفه، إن الطامة الكبرى هي أن تكون سمة المجتمع بأكمله هي السلبية وعدم المبادرة.

(أو ليوشكن الله عز وجل أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) إجابة حتمية لكل ما سبق من خيارين لا ثالث لهما، إما الالتزام والعمل والصدق والتناصح، ونبذ الخطأ أو هو عذاب يصيبنا بما قدمت أيدينا وبما أفسدنا.

قال سبحانه: ((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))، ليت شعري أين من يتساءل لم لا يستجيب الله لدعائنا، أين من يقول دعوت ولم يجبني، طبلت ولم يعطن، استنصرت ولم ينصرني. قال تعالى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)). هل هناك حاجة لسرد ما يحصل بالأمة الآن من ابتلاءات، أم هناك حاجة بعد هذا النص الشريف من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، أن نعاود التفكر؛ ما هو سبب ما يقع لنا الآن.
 
الفساد موجود لكن المشكلة أن لا يوجد من يوقفه، إن الطامة الكبرى هي أن تكون سمة المجتمع بأكمله هي السلبية وعدم المبادرة. الأمر بالمعروف لا يقتصر فقط على الصلاة والصيام وغيرها من الأركان الواجبة، بل يشمل أيضا الحث على الصدق في العمل وإتقانه، النصح في العلم والتصحيح في المفاهيم المجتمعية البالية، الأمر بالمعروف هو إماطة أذى عن الطريق، هو ابتسامة وسلام، الأمر بالمعروف هو أخلاق وعمل، هو نصيحة ودعاء، هو تنبيه وتغيير، هو حب ومودة.
 
والنهي عن المنكر يكون حسب الاستطاعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، الإنكار بالقلب يكون بالاعتزال والابتعاد عما لا أستطيع تغييره.

إن صلاح أحوال العباد في دنياهم وآخرتهم قائمة على طاعة الله ورسوله، ولن تتحقق هذه الطاعة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين العباد (والذي نفسي بيده لتأمُرنّ بالمعروف ولتنهوُنّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.