شعار قسم مدونات

بين أيديولوجية الفكر والحضارة

blogs - حوار
حرية الفكر من أساسيات بناء الأمم، فهي المحرك الأساسي للنهوض باحتياجات الأمة، لدعم المواطنة والمحافظة عليها. حينما تأتي مجموعة صغيرة جداً تطالب بالأشياء الجديدة على عقول لم تنهض من سباتها لتقبل فكرة الآخر، يطالبون بها بشكلٍ "همجي" لا يمت للتعقل والرزانة بصلة، هذه المجموعة هدفها أن نكون مقلدين للغرب بكل شيء دون أي دراسة ولا إطلاّع.


وتأتي مجموعة أخرى "صغيرة أيضاً" تطالب بالبقاء دون الارتقاء، فلا يسمحون بالتطور ولا بالانفتاح على فكرة الآخر للاستفادة من عقول أناس حكموا العالم بأسره، بل يريدون ويفضلون البقاء دون التقدم والتطور والسمو، لتتصادم مع صاحبتها وكلٌّ منهما تحمل شحنات سالبة، فلا ولن يتم الالتقاء بين جسمين لهما نفس الشحنة (الأفكار والمنطقيات التي تقودها نحو المستقبل).

كلا المجموعتين على خطأ، فالانفتاح (الغير متعقل) على فكرة غير مألوفة في مجتمع لا يعشق إلا المألوف هذا هو الخطأ بعينه، والمكوث داخل أسوار الانعزال الحائلة بين التطور والرقي ومواكبة العصر في جديدة فهذا أيضاً خطأ فادح جداً.

الاعتدال وتقبل فكرة الآخر هو ما نحتاج إليه في زمن لن تعيش فيه إلا إذا عملت بهذا النمط، لا تفرض على الآخرين فكرتك حتى وإن كنت تعتقد بصوابها، فبالحوار سترى القبول بأم عينيك. حينما ننظر إلى أساليب المجموعة الأولى في الدعوة، والمفاهيم الأساسية في قضيتهم، نجد أنهم لم يقوموا بدراسة الأوضاع السيئة التي عاشتها وستعيشها الدول التي عملت بهذا المفهوم دون دراسة جادة وموزونة لمعرفة أفكار المجتمع وكيفية بث الحضارة بشكلها الصحيح في عقله، ولا بدراسة التاريخ الإسلامي ومعرفة المسيرة الحضارية التي خلدها المسلمون.

نحن مجتمع يؤثرُ علينا ولا نؤثر، أثر علينا الغرب بحضارته المزيفة، وبتعاملاته التجارية الرابحة، سواءً بالعقل أو المال، وهم في الحقيقة لا يملكون أي من مقومات الحضارة بشكلها الصحيح.

وأيضاً في المقابل نجد أن إخواننا في المجموعة الثانية عكفوا على التركيز على دراسة كافة العلوم الإسلامية فقط دون غيرها من العلوم، ولم يعرفوا أن الدونية في مستوى تقارب الأمم لا ولن تكون للمسلمين، ولم يعرفوا أيضاً أن التقدم ومواكبة العصر في جميع مخترعاته وأفكاره واجبة على المسلم، لينهض بأمته، ويعلوا بنفسه.

نحن مجتمع يؤثرُ علينا ولا نؤثر، أثر علينا الغرب بحضارته المزيفة، وبتعاملاته التجارية الرابحة، سواءً بالعقل أو المال، وهم في الحقيقة لا يملكون أي من مقومات الحضارة بشكلها الصحيح، بل قاموا بفتح أبواب الحرية على مصراعيها دون أي ضوابط، فكانت النتيجة، مجتمعا لا يعرف للتواصل والتحاب والتآخي والصحة طريقاً، سلب للطاقات، استنزاف عجيب جداً، كثرة الأمراض، (2٪) من الأمريكيين ليس لديهم مأوى حسب آخر إحصائية، أين هي الحرية لمواطن لم يعرف إلا الظلم والقهر.

وللأسف أيضاً لأننا لم نفهم تعاليم إسلامنا بشكلها الوسطي التي عمل بها من جعلتهم يسودون العالم بزمانهم، فكانت النتيجة حضارة إسلامية رائعة، نظريات حسابية أخرجت الكمبيوتر والتقنية، الطب، الطيران، والكثير من التقدم بالمفاهيم والحيثيات من خلال مجموعة من القواعد التي خطها المسلمون بماء الذهب، ليستفيد منها الآن العالم بأسره.

يجب ألا نتجاهل هذه الأشياء إذا أردنا المطالبة، فهي دليلنا الواضح على مستقبل الأمور. نحن لا نرضى بالاحتباس خلف جدرانٍ تحول بيننا وبين ضوء التقدم والرقي، نحن نطالب بالتقدم وقراءة فكرة الآخر، والانفتاح على ثقافات الآخرين، لنبدع ونعرف الجديد، ولكن بضوابط وسطية رزينة.

فالواجب علينا أن نتعلم، ونعلم أطفالنا الطرق الصحيحة لمواكبة العصر، ونعطي الفرصة لأفكارهم ونتعامل معها بجدية واهتمام، ليزيد لديهم الإبداع، وتتطهر عقولهم من بعض الأفكار الخاطئة الطاغية علينا، فما أجمل أن يعرفوا الدنيا بعين الاحترام والإخلاص والمثابرة وحب الغير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.