شعار قسم مدونات

الغرب والديمقراطية عند العرب!

blogs - حكام العالم
لقد فضحت أحداث الربيع العربي العالم الغربي وأنظمة العالم العربي، وكشفت ما يكنه الغرب وبعض العرب لهذه الشعوب المقهورة من عداء وحب التسلط على رقبتها، وبينت كم كانت نداءات الحرية ووجوب نشر الديمقراطية من طرف هؤلاء كاذبة ومزيفة.. فما إن اندلعت ثورات الشعوب وانتفاضاتها ضد الظلم والاستبداد في الأقطار العربية حتى كشر الغرب عن أنيابه وانبرى لإسقاطها والحيلولة دون تحقيق أهدافها وبلوغ غاياتها في التحرر من الظلم والتبعية، إلا أن الغرب اختار موقف النفاق واللعب تحت الطاولة وبدا محرجا جدا من هذه الأحداث محتارا تجاه هذا المولود الجديد! (أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) فأظهر ذلك اختلالا وتذبذبا كبيرين في المواقف والقرارات، وبدا الا رتباك سيد الموقف…

لكن هذا التذبذب والحرج لم يدم طويلا، فسرعان ما انحازت هذه الدول إلى معاداة الشعوب ومساندة الثورات المضادة لإفشال تطلعات الجماهير العربية إلى الحرية والانعتاق ورفض الاستبداد والديكتاتورية.. فعندما ثار الشعب التونسي على ديكتاتورية بن علي وزبانية حكمه بعد أن عانى عقودا من الظلم والقهر؛ بدأت فرنسا ومن يسير في ركبها من دول الجوار، وكذا بعض الأنظمة العربية بالعمل على احتواء هذه الانتفاضة وعدم السماح لها بتقديم بديل حقيقي يسير شؤون البلاد ويقودها نحو نظام ديمقراطي أساسه الاختيار الحر لطبيعة هذا النظام ولمن يحكمه.

وهكذا عاد القايد السبسي ورجالات حزب بن علي ليحكموا البلاد، ولولا تنازلات النهضة وبعض القوى المعارضة لوقع ما وقع في مصر ولأجهضت ثورة الياسمين إن لم تكن قد أجهضت فعلا.. أما في مصر التي ثار فيها المصريون على نظام مبارك وأبنائه وملأت ميادين مصر بجماهير الشعب صارخة لا للاستبداد، لا للتوريث، عيش، حرية، كرامة إنسانية، فكانت ثورة سلمية مثالية قادها شباب مصر بمختلف اتجاهاته الفكرية والسياسية بل قل والدينية، مستغلة في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي أحسن استغلال، بعد أن أقفلت في وجوههم وسائل الإعلام الأخرى من صحافة وفضائيات خاصة العمومية منها، وحينها سكت الغرب في معظمه عن تجاوزات مبارك وحزبه، ولم يبد سوى مواقف محتشمة من حملة التقتيل والاعتقالات والتنكيل بشباب الثورة وقياداتها، مستعملا في ذلك أبشع الوسائل وأوحشها وما معركة الجمال من ذلك ببعيد.

أين الديمقراطية؟ أين الحرية المنشودة التي لوحتم بها لشعوب العالم الثالث وزعمتم أنكم المبشرون بها؟ إننا إذ نسجل هذه المواقف المظلمة والقاتمة في تاريخ البشرية لا ننسى أن هناك بقعة ضوء وشعلة من نور.

فكان أبخس وأسوأ موقف تجاه هذه الانتفاضة البريئة هو موقف الولايات المتحدة الأميركية راعية الديمقراطية في العالم، ثم تبعتها مواقف فرنسا والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول والأنظمة.. والعجيب في هذا أن هذه المواقف لم تكن موجهة ضد شعب ثار على الظلم فحسب، بل دعمت فيما بعد انقلابا عسكريا غاشما اعتدى على مؤسسات شرعية أنجبتها انتخابات حرة شهد العالم على نزاهتها ونظافتها، وسكتت الحضارة الغربية على اختطاف رئيس شرعي منتخب وفتحت أذرعها خزائنها لانقلابي مغتصب خان رئيسه وشعبه ووطنه.

أما العرب فآثر بعضهم السكوت وبعضهم أعلن تأييده الصريح للانقلاب ودعمه بالمال والمؤونة وفي المحافل الدولية ضد شعبه، هذا الشعب الذي طالما ساند قضايا العرب والمسلمين وضحى بالغالي والنفيس نصرة لأمته وقضاياها الدينية والقومية، بل كان يكن كل الاحترام والتقدير لهذه الأنظمة وشعوبها، ولعل أطرف ما يذكر في الموضوع هو اعتبار تمرد علي عبدالله صالح والحوثيين انقلابا على شرعية مطعون فيها، يجب أن يعلن الجهاد لردها، بينما لا يعتبر ما فعله السيسي وأعوانه بمرسي والشعب المصري انقلابا يجب رفضه وعدم دعمه.

في ليبيا يدعم الجنرال حفتر وبقايا ميليشيا القذافي ضد إرادة الغالبية العظمى من أبناء الشعب الليبي بالمال والسلاح وخلط الأوراق كلما لاحت بوادر حل للأزمة هناك.. أما في سوريا الجريحة فهناك قبرت حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية وضاعت معالم التحضر وسادت شريعة الغاب التي قوامها البقاء للأقوى.

أين الديمقراطية؟ أين الحرية المنشودة التي لوحتم بها لشعوب العالم الثالث وزعمتم أنكم المبشرون بها؟
إننا إذ نسجل هذه المواقف المظلمة والقاتمة في تاريخ البشرية لا ننسى أن هناك بقعة ضوء وشعلة من نور سجلتها شعوب ودول على قلتها تمثل بصيص أمل في كتاب الحضارة المنسية والقيم الإنسانية المقبورة، كانت منابر تركيا وقطر ميدانا لها ( يتبع )..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.