شعار قسم مدونات

السينما والجماهير.. من المسؤول عن توجيه مزاج الآخر؟

blogs - السينما و الجمهور

شغلني كثيرًا الانحدار الخطير الذي وصل إليه الذوق العام للجماهير في السنوات الأخيرة، هذا الانحدار الذي طال جميع الطبقات الاجتماعية بدون تفرقه، وما وازاه من انحدار في مستوى الفنون المختلفة من سينما ومسرح وغناء وغيرها. وطالما تساءلت، من الذي يوجه من؟ هل السينما هي مجرد انعكاس لصورة المجتمع وما يسوده من ظواهر ومشكلات وقضايا؟ أم أن للسينما هذا التأثير القوى الطاغي الذي يتحكم في الناس ويصيغ لغة حوارهم وطريقة تعاملهم. وهى ككيان اقتصادي يسعى لتحقيق أرباح ضخمة أولاً وأخيرًا ولو على حساب مبادئ السلوك والأخلاق.

وقع تحت يدي عدد قديم من مجلة "المختار" يعود إلى عام 1966. تلك المجلة هى النسخة العربية من مجلة "ريدرز دايجست" الواسعة الانتشار في مختلف بلاد العالم. وفيها قرأت مقالاً لكاتب أمريكي يستنكر ويعيب على بعض دور السينما التي تعرض الأفلام الفاضحة. ويشيد بموقف مواطني بلدة لاجونا بيتش في ولاية كاليفورنيا الساخط على هذه الأفلام، حيث خرجوا حاملين لافتات مكتوب عليها "قدموا لنا أفلامًا مهذبة"، وحاصروا دار السينما حتى اضطر صاحبها إلى سحب الفيلم الخارج.
 

بعد نكسة 1967 انتشرت موجة من الأفلام الهابطة اعتمدت على الكوميديا بغرض إلهاء الناس عن التفكير في المُصاب الجلل الذي هز كيان الأمة العربية. ولكنها بالرغم من تفاهاتها لم تكن بالقبح والفجاجة التي عليها أفلام اليوم.

يقول الكاتب: "وتتعاهد شركات السينما الأمريكية الكبرى السبع على مراعاة معايير الأخلاق واللياقة من خلال قانون 1956 الذي اتفق عليه اتحاد السينمائيين الأمريكيين وينص على أن الجريمة أو الخطيئة يجب ألا تنال مطلقًا عطف الجمهور، ويجب مساندة قدسية الزواج والأسرة، ولا ينبغي على أي فيلم أن يوحى أن العلاقات العارضة أو الفاجرة هي الأشياء المسلم بها. كذلك يحرم القانون أي بذاءة في القول أو الإيماءة أو الأغنية أو الفكاهة أو بالإيحاء". عندما ظهرت مسرحية "مدرسة المشاغبين" في أوائل سبعينيات القرن الماضي، قوبلت باستنكار خصوصًا من قبل الأباء والأمهات والمعلمين من أبناء الطبقة الوسطى المحافظة المتعلمة، لأنه في ذلك الوقت كان المعلم يحظى بقدر كبير من الهيبة والاحترام في المدارس. واتهموا المسرحية بأنها تعلم التلاميذ التمرد والتطاول وعدم الاكتراث. وبالرغم من ذلك لاقت رواجًا كبيرًا وما زالت تُعرض حتى يومنا هذا.

وفى الثمانينات انتشرت موجة واسعة من الأفلام التي تدور حول تجارة المخدرات كان أشهرها "الكيف" و "العار". ولا شك أنها كانت انعكاس لمشكلة موجودة بالفعل في المجتمع، ولكن الصنعة السينمائية والحبكة الدرامية تستلزم إضافة "البهارات والتوابل" للموضوع، فامتلأت الأفلام بالألفاظ والمصطلحات والأغاني التي لم تكن معروفة من قبل وانتشرت مثل النار في الهشيم بين الأطفال والشباب الذين أخذوا يرددونها في تندر وسخرية تحولت سريعًا إلى اعتياد غير مُستَغرَب.

أما في عصرنا الحالي فقد وصلت الأمور إلى درجة من السوء والتدني لم تحدث من قبل أبدًا. فحتى بعد نكسة 1967 انتشرت موجة من الأفلام الهابطة اعتمدت على الكوميديا بغرض إلهاء الناس عن التفكير في المُصاب الجلل الذي هز كيان الأمة العربية. ولكنها بالرغم من تفاهاتها لم تكن بالقبح والفجاجة التي عليها أفلام اليوم.

المنطق يقول أن الجمهور قادر على أن يُملى على صناع الفنون عمومًا والسينما خصوصًا ما يقدمونه. فالإقبال أو المقاطعة هما السلاحان المشهران المشيران إلى الطريق الذى ينبغي سلكه. وبما إننا لا نملك السيطرة على الجماهير الغفيرة، فعلينا أنفسنا، يجب ألا نحذو أبدًا حذو القطيع وألا ننساق وراء دعوات التبرير مثل الفضول تارة أو الترويح عن النفس تارة أخرى .. فنكون من رواد هذه السينمات أو المسارح التي لا تحترم حقنا في نوعية فن نظيف وراقٍ. ونتحول دون أن ننتبه إلى أعداد تُضاف إلى رصيدهم وانتشارهم. فلنحمي أنفسنا ولنحمى أولادنا من الانجراف مع هذا الطوفان. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.