شعار قسم مدونات

يوم كان ابن العقدين قائدا

blogs - hourse

1- أسامة بن زيد

"مَن كَانَ يُحبُّ اللهَ ورسولَه فليحبّ أُسامة! " كُلماتٌ قالها الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أُسامة بن زيدٍ تُكن عن مدى حُبه له، فما كان هذا الأُسامة الذي قُيّد حُب اللهِ والرسولِ -يومًا- بِحُبِّه؟! والرسولُ في مرضِ موته كلَّف أُسامة بأن يقود جيشًا للشام، يقود جيشًا فيه كبارِ الصحابة كأبي بكرٍ الصديق وعمر بن الخطاب، وهو في السابعةِ عشر من عمره! أعوامٌ لا يحمل صاحبها في زماننا هذا سوى الغضاضة والدعة.
 

2- مُحمَّد بن القاسم

أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي عام 93 هـ سريتين لفتح بلاد السند -الهند حاليًا-، فقُتِل قائديها وعاد الجيشُ صِفرْ اليدين مُحمّلًا بيأس الهزيمة. لم يرى الحجاج بُدًّا من إرسال محمد بن القاسم بن العقدين ليفتح البلاد التي عجز سابقيه عن فتحها لما اشتهر عنه من حُسن القيادة، وبالفعل استطاع أن يفتح بن القاسم معظمها ليحوز لقب مؤسس الدولة الإسلامية في بلاد السند، لقبٌ لم يحوزه من هم أكبر منه سنًا، ولم يتوارى هو عن حيازته وهو الصغير الذي كان يمكن أن يستغل صِغره هذا في حياةٍ مرفهة كما نفعل نحن في آننا هذا.
 

قطيعنا يمشي وراء السفاسف، بل يصنع من سفاسف الأمور عظائم، قطيعنا يجعل أكبر إنجازٍ لابن العقدين أن يفوز في مسابقة غناءٍ يعبث بحنجرته مخرجًا منها رذائل تسمى أغنية وتجعل منه قُدوة!

3- محمد الفاتح

"لتُفتحن القسطنطينية ولنعم الأميرُ أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" غالبنا يعرف قول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، وغالبنا أيضًا يعرف محمد الفاتح وأنَّه فتح القسطنطينية بعد طولِ مُحاولاتٍ لفتحها على مرّ أزمنة حُكم المسلمين.. غير أن معظمنا يغفل أو يتغافل أنه فتحها وهو بعدُ في العشرين من عُمره، وأنَّ نِعم الأمير هذا كما نعته الرسول كان ابن عقدين.

4- عبدالرحمن الناصر

أن يَكون ابن الواحد والعشرينَ ربيعًا حاكمًا لدولةٍ بحجم الأندلس فهذا شيء يَصعب تصديقه! ولربما تراءى لأذهاننا حين نسمع بذلك أنه بالتأكيد أضاع حضارة الأندلس وأمضى وجوده في الحُكمِ لهوًا ولعبًا. لكن أن يكون ابن العقدين هذا قد تلّقى تربيةً كالتي تلقاها عبد الرحمن الناصر -يمكن للقارئ الاطلاع على تفاصيل نشأته لصعوبة ذكرها هنا- فذلك يجعلنا نثق أنَّه قام عليها خير قيام، وقد كان.  حين تولى عبدالرحمن الخلافة كانت الأندلسُ قبله في فترة ضعفٍ وتفرُّق حتى أن أهلها ظنوا أنها نهايةُ الحكم الإسلامي هناك، ليستطيع هو بحسن قيادته أن يجعل فترة حكمه تُسمى ب"العصر الذهبي" فللهِ درّه!
 

وما تلك إلا شذرات من قادة كانوا صِغار السن كِبار العملِ والهممِ، وما ذلك إلا غيضٌ من فيضِ ما كان يمكن أن يكون عليه بن العقدين قبلًا. والآن؛ ما الذي يحمله ابن العقدين في زماننا هذا؟ سوى لهوٍ وتفريطٍ لم يكونا سوى نتاج تربية غرزت معنى "العمر أمامك طويل" و "لا تتعجل واستمتع بحداثة سِنك" لنجد خير مُبرر لدعتنا ورُكوننا. يومَ كان بن العقدين قائدًا كُنَّا أصحاب عِزة، ويومَ صار بن العقدين واهيًا لاهيًا ضِعنا وضاعت عزتنا.
 

بيدِ أنه لا يمكن أن تلوم الزرعَ إذا ذَبُل، بل لُم زَارعه الذي أهمل سقياه! الأمر هكذا تمامًا، لا يمكن أن تلوم على بن العقدين لهوه في حين أن أمثاله في زمنٍ مضى كانوا قادة، فاللوم أولًا على من أنشأه، على من وضعه أمام مسارٍ إجباري الحيد عنه بمثابةِ الكفرِ، على من جعل الخارج عن القطيعِ هو الأبله والذين يتبعون القطيع هم أصحاب العقلِ والفكر!
 

وقطيعنا -في الغالب- يمضي في (تعليم نظاميّ) هو في معظم بلادنا العربيَّة لا يمت للتعليم بصلة فيخرج منه المرء وعقله خاوٍ كأن لم يعرف علمًا قط، ولا ينفعه منه سوى شهادةٍ يعلقها على جدران منزلِه على مرأى من زائريه علّ هذا يُنسيه ما أضاعه من سُنين في ما لم ينفعه، ف(عملٌ) ف(زواج) فامرئ لم يحمل من طولِ عُمره إلا شعراته البيضاء وحكايا مُسلية يحكيها لأبناءه وأحفاده؛ الذين يجبرهم أيضًا على إتباع نفس القطيع في تكرارٍ مُمل سقيم، اللهم إلا من رحم ربي.

قطيعنا يمشي وراء السفاسف، بل يصنع من سفاسف الأمور عظائم، قطيعنا يجعل أكبر إنجازٍ لابن العقدين أن يفوز في مسابقة غناءٍ يعبث بحنجرته مخرجًا منها رذائل تسمى أغنية وتجعل منه قُدوة!

نموذج إبراهيم -عليه السلام- هو بمثابة الحجّة التي تضع جزء من اللومِ على المرءِ نفسه، وليس على من أنشأه فقط. كان أباه آزر كافرًا، ذاك لم يمنع إبراهيم من أن يكون بأُمَّة! لذلك لا يمكن أن نحمل التربية كل المسئولية، وإلا لما خلق الله لنا عقولًا ندرك بها ونتدبرُ.

5- إبراهيم عليه السلام
يومَ بحث قَومُ إبراهيم عليه السلام عن من حطّم أصنامهم، قالت الفئة التي دلتهم على سيدنا إبراهيم "سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيم" -سورة الأنبياء، الآية 60- فتًى! فتى قال عنه الله -عز وجل- "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً" -سورة النحل، الآية 120- فهو عند قومه وشِيعته فتى وعند الله أمة!

لِم لم أذكر نموذج إبراهيم عليه السلام متواليا مع الأربعة نماذج الذين ذكرتهم؟ لأن نموذج إبراهيم بعيد عن فكرة القيادة بشكلٍ ما، نموذج إبراهيم هو نموذج لمن خرج عن القطيع، لمن أبى أن يسلك نفس المسار الإجباري حتى وصل إلى مساره الذي خُلق لأجله. نموذج إبراهيم -عليه السلام- هو بمثابة الحجّة التي تضع جزء من اللومِ على المرءِ نفسه، وليس على من أنشأه فقط. إبراهيم عليه السلام كان أباه آزر كافرًا، ذاك لم يمنع إبراهيم من أن يكون بأُمَّة! لذلك لا يمكن أن نحمل التربية كل المسئولية، وإلا لما خلق الله لنا عقولًا ندرك بها ونتدبرُ.

في النهاية؛ أليس جديرًا بابن العقدين أن يصنع الأُمَّة؟ ألّا يترك حبات العُمرِ تنفرط هباءً منثورًا وتذهب سدى؟ العمر أمامنا ليس طويلًا، أعمارنا قصيرة جدًّا ما دمنا اخترنا الركون.. نحن من نكتب أعمارنا، فإمَّا أن يكون لنا أثرٌ يبقى بعدنا فنعيش به في نفوس الناس طويلًا، وإما أن نرحل فننسى كأن لم نعش يومًا واحدًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.