شعار قسم مدونات

محاولة لفهم طبيعية العالم

blogs - خريطة

ينبغي على العرب أن يفهموا أن طبيعية العلاقات الدولية بين دول المجتمع الدولي هي علاقة غير سوية وغير عادلة وأن تظاهر العرب بالتزامهم بمقررات المجتمع الدولي متمثلا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لن يفيدهم في حل مشاكلهم المستمرة والمزمنة والمريعة كلما تقدم الزمن بعمر الأنظمة العربية.

إن تلك الأنظمة التي كانت تمتلك مشروعا ذو نزعة نهضوية يحمل صبغة عالمية قد تم تدميرها بشكل ممنهج ومدروس من قبل القوى العالمية المسيطرة، وأما تلك الأنظمة التي قتلت الطموح في الإنسان وحولته إلى آلة جبانة تعيش في براثن الخوف والمذلة فإنها حظيت وتحظى بالرعاية والعناية من قبل اللاعبين الكبار أصحاب المصالح المرسلة في هذه البلدان ومن ثم تأتي المصالح الذاتية الأنانية لتلك الأنظمة وحتى هذه المصالح ماهي إلا عبارة عن تطلع إلى التمتع برفاهية الحياة الغربية بين شعوبها الكادحة التي تسكن في الصفيح.

إن الشعوب العربية في الدول المنكوبة بالربيع العربي سوف تستمر في النزيف والمعاناة، ولن يتحرك العالم من أجلها لأن العالم الحقيقي هي تلك الدول التي تتقاسم المصالح في الشرق الأوسط.

وأما عن التنازلات أو المنح الاقتصادية التي قدمتها دول الخليج للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، أو حتى الفرص التجارية التي تقدمها في الوقت الراهن للشرق الأقصى متمثلاُ بجمهورية الصين الشعبية أو اليابان أو حتى لتركيا والتي جاءت في مضمونها في سياق الرد على طعنات الحلفاء المتتالية من الخلف لن يحمي هذه الأنظمة من السقوط المريع في المستقبل القريب أو القريب نسبيا، وذلك لسبب بسيط جداً انها لا تمتلك المهارات الإنسانية اللازمة والإدارة الرشيدة وليس لها رصيد في السياسات بعيدة المدى ولم تستعد جيداً لمثل هذه الامتحانات الصعبة.

إن هيكلية القوى في العالم تتجه إلى أن تحكم العالم مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة والتي سوف تتقاسم المكاسب والمصالح بحسب وضعها الراهن – قوتها الاقتصادية والعسكرية – وليس بحسب الإرث التاريخي والاستعماري القديم.

بجانب ذلك فإن القوى الإقليمية الصاعدة في المنطقة مثل إيران وتركيا سيكون لهما نصيب من تلك التفاهمات والمصالح والتي سوف تفاجئ شعوب تلك الدول بطبيعة الأنظمة الحقيقية التي تحكمها وتعرفها اكثر واكثر بأن ما تقوله الحكومات وما تروج له من أيدولويجات في داخل مجتمعاتها ليس لها أي علاقة بهذا النظام العالمي الجديد القائم على الأنانية والمصلحة.

أما ما يروج له في وسائل الإعلام الغربية على ألسنة الساسة من طبيعة الحرب على الإرهاب بشكل عام إنما هو حديث غير جدي والخطوات التي يتم اتخاذها من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي هي عبارة عن خطوات بطيئة متوائمة مع طبيعة المصالح الدولية الخاصة بكبار اللاعبين في العالم.

لذلك فإن الشعوب العربية في الدول المنكوبة بالربيع العربي سوف تستمر في النزيف والمعاناة، ولن يتحرك العالم من أجلها لأن العالم الحقيقي هي تلك الدول التي تتقاسم المصالح في الشرق الأوسط منذ عام 1916، وها هي اليوم تفسح المجال لدخول قوى عالمية جديدة وصاعدة بقوة لتأخذ نصيبها من هذه الكعكة التي ساهمت في بناء اقتصادات الدول الكبرى لعدة عقود، مُتغاضية بشكل صارخ عن تلك القيم والمبادئ والفلسفات التي ازعجتنا بها وجعلتها قضيتنا الأساسية قبل أن نحصل على لقمة العيش والتي هي السبب الأول لشعور الإنسان بالكرامة على أقل تقدير.

إن هيكلية القوى في العالم تتجه إلى أن تحكم العالم مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية في الأمم المتحدة والتي سوف تتقاسم المكاسب والمصالح بحسب وضعها الراهن.

أما تلك الشعوب العربية الأخرى التي ما تزال تعقد الكثير من الآمال على قيادتها السياسية سوف تفاجئ بأن مستواها المعيشي في انحدار مستمر، وان تباطئ الاقتصاد العالمي إضافة إلى حروب الصحوة المتأخرة من أجل لعب دور إقليمي في المنطقة سيصيبها بالشلل والمفاجأة تماما مثلما تفاجأت الجيوش العربية وهي تواجه إسرائيل منذ عام 48 وحتى 73، وحتى أن أي انتصار بسيط أو باهظ سوف يُحتفى به كما تعودت الجماهير العربية بوسائلها الإعلامية التي تحتفي بالهزيمة وتجملها بالمساحيق والخطابات السياسية الحماسية.

وأما خيار التقارب مع هذه الأخيرة نعني هنا إسرائيل فهو خيار أكثر مرارة، حيث أن هذا التقارب سيعطي إيران وحلفائها في المنطقة المزيد من الذرائع والمصداقية عند تلك الشعوب التي تعيش حالة تداخل سنية شيعية في الشعائر والمُعتقدات والأفكار وسوف يخلق مزيد من الصدمة والفوضى في تلك البلدان البائسة أصلا.

هل هناك فرص حقيقة حتى يستفيد العرب من هذه الإخفاقات المتكررة والفشل في السياسية الخارجية والإخفاق على مستوى بناء الدولة والمجتمع، أعتقد أن هناك فرصة كبيرة ليحصل العرب على مكانتهم العالمية التي يستحقونها فهم يمتلكون الكثير من نقاط القوة والكثير من الفرص الخيالية ولكن ينقصهم أن تكون لديهم حكومات بمشروعات عالمية تعترف كيف تقتنص الفرص وكيف تُضعف التأثير الخارجي بشكل مدروس لترد الصفعات التي مازالت تتلقاها من الحُلفاء قبل الأعداء منذ أمد ليس بقريب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.