شعار قسم مدونات

سهرات رمضان التقية بحضور المسلسلات الشرقية

مدونات - رمضان

رمضان يا رمضان يا شهر الرحمة والغفران.. يفصلنا من الوقت القليل ويهلّ علينا هلالك أيها الشهر الفضيل الكريم علينا الرحيم بنا، شهر القرآن والذكر والقيام والصيام، تشعر الروح فيه أنها بين يدي خالقها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" وفي شهرنا الوفيّ هذا نسأل الله الثبات في أمرنا والصبر على طاعاتنا ومقاومة غرائز الشيطان ونفثه في أنفسنا، نحن عباد الرحمن نتأرجح بين شغف الدنيا وزينتها وجهاد النفس للآخرة ومقاومتها عسى أن لا تميل النفس إلى أهوائها فتُطرد من رحمة باريها، وما الدنيا الا كما قال فيها حبيبنا المصطفى: "ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها"..

 ولكن النفس البشرية تأبى إلا أن تنجرف أحياناً إلى ملذات الدنيا وإغرائها فتقع في شهواتها وتكثر ذنوبها ولكن الله جلَّ وتعالى فتح باب التوبة والرحمة لعباده وأغدق عليهم من غفرانه ليقبل أولئك الذين عادوا بأدمع القلب والعين متوسلين المغفرة، نادمين على زلّات الدنيا، منيبين إلى ربهم ويدخلهم في رحمته الواسعة . رمضانُ شهر العتق من لظى النيران يقبل فيه الدعاء وتتهذب فيه النفس، تُحكِمُ أقفالها وتغلق باب الشهوات المترفة التي تتلون لتستميل الروح فتُميتُها، فهنيئاً ثم هنيئاً لأولئك الذين أحكموا نفوسهم وصدّوها عن الهوى فكانوا الحزب الفالحين.

سقطت الأندلس عندما حمل زرياب عوده وشدّ وتره ورقصت الجواري حوله وتسابق شباب الأندلس الغض على الخليلات وقد كان سباقهم قبلها إلى حفظ القرآن الكريم والشعر.. فلنشد أحزمتنا وليكن لنا من رمضان نصيب الخير والثواب والطاعة.

كنت أتابع إحدى البرامج الوثائقية وخلال الفاصل الإعلاني عرضت المحطة إعلانات لمسلسلات السهرات الرمضانية خلال الشهر الفضيل وذلك بعرض مشاهد مقتطفة لإثارة أعجاب المشاهدين ..كانت اللقطات الإعلانية تنوه لأحداث وقصص تذهب بحياء العقل والروح، تعجبت في أعماق نفسي كيف لنا أن نتابع مثل هذه البرامج والمسلسلات لتصبح روتيننا يومياً نتابع توقيته ليصبح جزءاً من أعمالنا الرمضانية والتي وجب أن تكون صياماً عن المعاصي واللغو واللهو عسى ينالنا نصيبٌ من بركة هذا الشهر ورحمته، ولكن تلك القنوات العربية تأبى إلا أن تخدش حياء قلوبنا وأبصارنا بما تعرضه، فتميل النفوس الضعيفة وتخسر فرصتها في هذا الشهر المبارك، وما علم أكثرهم أن الجنة عروس مهرها النفوس التقية الصابرة في طاعة الله.

الفن والإعلام جزء من ثقافة المجتمع وأسلوب حياته ونظامه الاخلاقي والقيمي ولكل مجتمع ثقافته وفنه الذي يعكس الصورة النمطية والأخلاقية والاجتماعية لذلك المجتمع، ويعرف عن المجتمع العربي الإسلامي التزامه بالثوابت الاجتماعية وسعيه للحفاظ على عتيق القيم التربوية ولا نختلف جميعاً أن العصر الحديث يحمل في طياته انحرافاً تربوياً ملحوظاً أصبح يشكل عقبةً في طريق النهوض بجيل ملتزم ومتمكَّن وقادر على التغيير نحو الأفضل. 

رمضان شهر العبادة والطاعة ولمضاعفة فرص الثواب والاستفادة من عظيم الأجر والعبادات في هذا الشهر يلتزم العائدون لربهم بجدول يضمن لهم الاستفادة من كل دقيقة بل وثانية في الصلاة والنوافل وقراءة القرآن والتسبيح والاستغفار والدعاء والابتعاد عن اللغو والرفث والفسوق ليتم ويتضاعف أجر الصيام والقيام.

ولأن النفوس تميل إلى هواها فإما أن تثبت وتجاهد في البعد عن المعاصي أو أن تضعف همتها فتفتح شاشات التلفزة لتتابع جميل المسلسلات الفنية الشرقية الاجتماعية منها والتي تهدم في النفس ثباتها ومروءتها، وتدخل الصائم في أجواء من الأحداث المنافية لضوابط المجتمع العربي وعلاقاته وتطلعاته وحريته وأحلامه، فتلك أنجبت دون زواج ولكن الحب شفع لها! وذلك خان زوجته ولكن ظروفه مختلفة! وهذا تحرر من والديه فكان عاقاً لهما! وتلك الصبية لها صديق تسهر معه حتى منتصف الليل ولكنه مجرد صديق وهذه حرية شخصية! وذاك المراهق يجرب بعض المخدرات القاتلة ولكن التجربة تحرر! وهذه الزوجة تخون زوجها ولكنه ينشغل عنها بالعمل حتى وقت متأخر فهي تشعر بالضجر! وتلك الأخت تخطف خطيب أختها ولكنه الحب!

سلبية الدراما تقتصر على المخالف لنمط حياتنا العربية المحافظة والملتزمة وليس كل ما يُعرض منها، فهناك البرامج التاريخية والدينية والتربوية والاجتماعية البنّاءة ولكنها في تناقص إذا ما قورنت مع المسلسلات من مختلف الاقطار العربية.

 أما الثياب القصيرة والكاشفة فهي متطلبات العصر الواحد والعشرون كي يلقى المسلسل رواجاً ويجذب اهتمامات المشاهدين؛ وفي عتمة هذا كله يطلّ علينا المسلسل بلغته العربية لغتنا الأم لتتضارب لدينا الثوابت فهل المسلسلات تعكس حقاً الواقع العربي بتفاصيله؟ أو أنها توهمنا أن الواقع يجدر به أن يصبح هكذا ضمن الإطار التحرري العصري المغلف بأفكار استعمارية لعقولنا وعقائدنا، ويخبرنا بصورة غير مباشرة أننا ما زلنا متخلفين وأن العالم العربي الذي نعيش فيه بات يتطور بسرعة لا يمكن ملاحظتها إلا من خلال الدراما العربية؟!

في الواقع الثوابت القيمية لا يمكن أن تغيب عن بال أحد، نحن فقط تحت وطأة استعمارية فكرية تغللت لمجتمعاتنا وبيوتنا لتبث روح الفساد في أجيالنا القادمة من خلال شاشات التلفزة وقنوات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وعلينا أن نقاومها بكل قوتنا وعقيدتنا سواء في رمضان او في غيره ولكن ربما تجارة الدراما في رمضان أكثر نفعاً لأنها باتت أكثر ارتباطا بمفهوم الترفيه في رمضان وليس العبادة.

سلبية الدراما تقتصر على المخالف لنمط حياتنا العربية المحافظة والملتزمة وليس كل ما يُعرض منها، فهناك البرامج التاريخية والدينية والتربوية والاجتماعية البنّاءة ولكنها في تناقص إذا ما قورنت مع المسلسلات من مختلف الاقطار العربية. يبقى الإعلام سلاحاً ذو حدين ونحن لنا الاختيار فإما أن ندافع به عن أنفسنا أو يقتلنا! الغزو الفكري أكثر أنواع الاستعمار تأثيراً وهدما للشعوب، سقطت الأندلس عندما حمل زرياب عوده وشدّ وتره ورقصت الجواري حوله وتسابق شباب الأندلس الغض على الخليلات وقد كان سباقهم قبلها إلى حفظ القرآن الكريم والشعر.. فلنشد أحزمتنا وليكن لنا من رمضان نصيب الخير والثواب والطاعة قال تعالى "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.