شعار قسم مدونات

الديمقراطيّة والإسلام.. وهم مقابل استنارة

Opposition supporters walk out of a metro station with a banner that reads
فصل الديمقراطية عن العلمانية والليبرالية واختزالها بحكم الشعب يفرغها من آلية عملها ويجعلها خيالية؛ لأنه يلزمها عقيدة ينبثق عنها أنظمة للحياة كالعلمانية، ويلزمها منظومة قيمية وآليات تطبيقية كالليبرالية. أما تناول مفهوم "حكم الشعب" بمعزل عن العلمانية والليبرالية فيجعلها "طريقة لتسلم الحكم" كتلك التي في الإسلام مع ملاحظة أن آلية بناء الدولة الإسلامية هي طريقة عملية؛ لأنها جزء من شريعة منبثقة عن عقيدة وليست خيالية.

فيما نجد حكم الشعب نفسه بنفسه في الديمقراطيات المباشرة ممتنع في الواقع، أما الحكم الديمقراطي المستند إلى السلطات والفصل بينها فلا يجعلها معبرة عن حكم الشعب؛ لأن الشعب يمارس فقط حرية التصويت على من ترشحه الأحزاب الرأسمالية بالإنابة عن رجال الأعمال وهذا ما أشار إليه مرشح الرئاسة الأمريكية بيرني ساندرز صراحة في قوله:

إن تبني الأحكام الشرعية هو حق أصيل لمن يُباشر السلطة وليس لمن يمنحها. وعندما خاطبت النصوص الشرعية الأمة بالأحكام كجلد الزاني وقطع يد السارق وغيرها حددت طريقة إنفاذها في من بيده الصلاحية.

"إن الولايات المتحدة بحاجة إلى "ثورة سياسية" للطبقة العاملة لاستعادة السيطرة على الحكومة من أصحاب المليارات." كما أشار إليه جيريمي كوربن زعيم حزب العمال البريطاني في تعهده بقلب ما سماه "النظام المزيف" ووضع السلطة والثروة "في أيدي الشعب". فالديمقراطية بهذا المعنى هي مجرد مطيّة للرأسماليين لتمكينهم من السطو على السلطة وإرادة الشعب.

وأما سلطة التشريع، أي سن القوانين فهي للخليفة أصالة بموجب الشرع لا بموجب "سيادة الشعب" برغم جواز سلب الأمة حق الخليفة في تبني الأحكام. وهذا بخلاف الديمقراطية التي تجعل سن القوانين للبرلمان عبر مؤسسات وخبراء "قانونيين". وبالتالي فإن مصدر سلطة التشريع يختلف بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي.

وإجماع الصحابة في تنازل عثمان عن رأيه يدل على أن الشرع هو مصدر سلطة الخليفة في التشريع ويدل على حصر الرعاية بالخليفة. ووجه الاستدلال في ذلك هو إن تنازل عثمان عن رأيه لرأي الأمة يفيد بجواز اشتراط الأمة على الخليفة أن يترك رأيه لرأيها مع بقاء حق الخليفة في سن القوانين أصالة.

إذ لو كان تبني الخليفة للرأي "نيابة" لوجب على الأمة تبني ما تبناه لا طاعته فيما تبناه فحسب، وهذا – أي تبني الخليفة الرأي نيابة عن الأمة – أجمع الصحابة على خلافه عندما كانوا يُطيعون الخليفة ولا يتبنون رأيه، مما يعني أن حق التبني وسن القوانين هو للخليفة أصالة لا نيابة؛ لأن الذي يتنازل هو صاحب الحق وليس من يطلبه، ولأن الذي يجعل القانون نافذًا هو تبنيه من قبل الخليفة سواء كان الرأي رأيه أو رأي غيره وسواء بموجب الشرط أو من دونه.

سلطة التشريع، أي سن القوانين فهي للخليفة أصالة بموجب الشرع لا بموجب "سيادة الشعب" برغم جواز سلب الأمة حق الخليفة في تبني الأحكام. وهذا بخلاف الديمقراطية.

وبعبارة أخرى فإن العبرة هي بتبني الخليفة، لأن ما تتبناه الأمة لا يعتبر ولا يكون نافذًا إلا إذا تبناه الخليفة. ومن ناحية أخرى؛ فإن طبيعة القيادة الفردية ووجوب طاعة الحاكم والوضع الكياني للدولة يقتضي حصر صلاحية سن القوانين في الحاكم، إذ لا يُتصور أن يتعيّن الرأي الظني من قبل مؤسسة أو جماعة متنازعة في الآراء.

ولذلك فإن قولنا بأن للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية هو فكر منطبق على الواقع. ولو كان حق تبني الأحكام للأمة أصالة لما كان للخليفة خيار في ترك رأيه ولما كان لاشتراط الأمة على الخليفة لزومًا بشأن تبني الآراء.

إذاً فتبني الأحكام الشرعية هو حق أصيل لمن يُباشر السلطة وليس لمن يمنحها. وعندما خاطبت النصوص الشرعية الأمة بالأحكام كجلد الزاني وقطع يد السارق وغيرها حددت طريقة إنفاذها في من بيده الصلاحية ولذلك لا يصح الاستدلال بخطاب الشرع للجماعة على إسناد صلاحية سن القوانين للشعب أو ممثليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.