شعار قسم مدونات

التحدي غير مضر بالصحة

OBERAMMERGAU, GERMANY - JANUARY 15: Skiers remove their climbing skins on a ski touring trek up the Scheinberg mountain in the Ammergau alps on January 15, 2017 near Oberammergau, Germany. Winter weather arrived in Germany last week with cold and heavy snowfalls that have led to traffic disruptions in certain regions but are a boon to winter sports and recreation enthusiasts. (Photo by Philipp Guelland/Getty Images)
فُطرت النفس البشرية على عديد من الخصال والفطر، لا تستقيم إلا بها الحياة، بل لا تُوجد بدونها، و"التحدي" أهم تلك الفطر من وجهة نظري، ففطرة التحدي لبقية الفطر كالجهاز العصبي في جسم الإنسان، منتشر متشعب في كل الفطر والخصال، وهو المحرك والمنظم وصاحب الشرارة الأولى لكل حركة، والخلل فيه يصيب الجسم كله بالسقم ويعطل كل خصاله.

و إذا تأملت في جسدك البشري الضعيف ستجد جهازا مخصصًا للتحدي يسمونه الجهاز المناعي بدونه لا تعيش لحظة فأضعف فيروس قد يقتلك دون أدنى جهد، فالتحدي هو ما يضمن لك الحياة، هو مناعتك في مواجهة صعاب الحياة، أما إذا تفكرت في أحوال البشر ستجد أنه ما فرقهم علماءً وجهالًا وأغنياءً وفقراءً ومشهورين ومغمورين….. إلخ إلا التحدي.

أن ما أوصلنا نحن العرب إلى هذه الحال المزرية عِلْمِيًّا وثقافيا وَسِيَاسِيًّا وَعَسْكَرِيًّا وَإِلَى مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعُدَّ مِنْ مَجَالَاتِ الحَيَاة إلاَ أَنَّ قَنَاعَةً شَاذَّةً رسخت فِي أَذْهَانِنَا وَهِيَ أَنَّ التَّحَدِّيَ مُضِرٌّ لِلصِّحَّةِ وَقَدْ يُسَبَّبُ الوَفَاةَ!

فالدرجات على سلم المجد ليست إلا تحديات كلما أنجزت واحدا ارتفعت درجة والناس متفاوتون على درجات السلم بقدر تحدياتهم وقدر التحدي لديهم، وتقدمنا العلمي اليوم ما كان له أن يحدث لولا تحدي الجهل منذ عصر الإنسان الأول وصولا إلى هذه اللحظة التي تقرأ فيها الآن، وقد تستعجب حينما أخبرك أنه لولا التحدي لما وصلت إلى دنيانا هذه.

فما الذي صبَّر هذه المرأة الضعيفة على كل هذه الآلام بداية من الحمل إلى المخاض إلى الوضع غير تلك الفطرة التي زرعها الله فيها: التحدي. وحينما تتحدث عن نبي الله موسى يجب أن تذكر معه أخاه هارون لذا دعني أحدثك عن هارون التحدي: الشباب، الشباب كما أعرفه هو مرحلة الخلق الثاني للإنسان بعد خلقه جنينا في بطن أمه. في خلقك الأول يُكتب عمرك وأجلك ورزقك وشقيٌّ أم سعيد، أما في خلقك الثاني فيكون أثرك ودرجة نضجك وقوة تحملك وعَلَمٌ أم نَكِرة،

في خلقك الأول تتحمل أمك عنك كل الآلام من حملٍ ومخاضٍ ثم وضعٍ ورضاعة، أما في خلقك الثاني فكل الآلام والصعاب والمشاق وكل ما تعرف من مرادفات البلاء عليك وحدك، فجوهر الخلق الجديد وركيزته هذه الابتلاءات، فطوال شبابك تخرج من ابتلاء لتقع في آخر، كأرنب أو كَلَيْث أوقعه حظه في غابة من الصيادين وأنت من تحدد ما ستكون في مواجهة الصياد ليثٌ أم أرنب!

أما عن سلاحك في وجه الصياد فهو التحدي ولا شيء غيره، تتحدي الابتلاء في دينك فتخرج شابا نشأ في طاعة الله، وتتحدي الابتلاء في دراستك فتخرج نابغة فذًّا، و تتحدي الابتلاء في علاقاتك الاجتماعية فتخرج علمًا لا نكرة، والكثير من الاختبارات والابتلاءات على العديد من الأصعدة إن أخذت غمار التحدي فيها ستخرج من خلقك الجديد علمًا مؤثرًا ناضجًا قويًا.

ولكن التشابه بين الخلقين قد بلغ أكمله فتجد إجهاضا في الخلق الثاني كالأول تماما ولكن بخلاف الخلق الأول أنت من يدير الدفة فالإجهاض أو التمام مرتبط بتعاطيك مع التحديات فإن استسلمت أجهضت نفسك وإن أصررت وأكملت رُزقت التمام، فالشباب ليس إلا تحدٍ ضخم ولكن الإنجاز من خلفه أضخم.

في خلقك الأول تتحمل أمك عنك كل الآلام من حملٍ ومخاضٍ ثم وضعٍ ورضاعة، أما في خلقك الثاني فكل الآلام والصعاب والمشاق وكل ما تعرف من مرادفات البلاء عليك وحدك.

أو تعلم أيضا أنه ما أوصلنا نحن العرب إلى هذه الحال المزرية من خُنُوعٌ وَاِسْتِسْلَامٌ عَلَى جَمِيعِ المُسْتَوَيَاتِ عِلْمِيًّا وثقافيا وَسِيَاسِيًّا وَعَسْكَرِيًّا وَإِلَى مَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعُدَّ مِنْ مَجَالَاتِ الحَيَاة إلاَ أَنَّ قَنَاعَةً شَاذَّةً رسخت فِي أَذْهَانِنَا وَهِيَ أَنَّ التَّحَدِّيَ مُضِرٌّ لِلصِّحَّةِ وَقَدْ يُسَبَّبُ الوَفَاةَ هِيَ شَاذَّةٌ حَقًّا ومُخَالِفَةٌ لِلفِطْرَةِ الَّتِي جَبَلُنَا اللهُ عَلَيْهَا ولكن مذاق الخنوع أعجبنا فما زلنا نتجرعه حتى اللحظة!

أعتقد أنك خلصت الآن إلى أن التحدي غير مضر للصحة ولا يسبب الوفاة كما يشاع عنه، فالتحدي هو ما أوصلك للحياة وضمنها لك حتى الآن حرة كريمة كما يقول الرافعي: "غريزة الكفاح هي التي جعلت الأسد لا يسمن كما تسمن الشاة للذبح"، فالحياة كفاح وتحدٍ متواصل ومتى نُزعا منها فقدت صفتها واستحالت موتا وإن لم تخرج الروح والأمة التي تتخلى عن التحدي يكون مصيرها كالعرب الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.