شعار قسم مدونات

مساحات اليأس الآمنة

blogs - human
"أمانُك النفسيّ في ألَّا تظن أنك شيءٌ أو لك شيءٌ، أو حتى تظن أن يكونَ لك هذا الشيء؛ حتى إذا فقدتَ شيئًا أو لم يأتِكَ شيءٌ أو حدث لك شيءٌ، لم تفقد أيّ شيء! وهو معنى قوله تعالى: "لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ" وجماعُ ذلك أن تجعلَ مقاليدَ أمرك بيدِ مَولاكَ، فلن تَجِدَ أينما توجهتَ إلّا خيرًا"، الشيخ عماد عفت رحمه الله.
 
مما أدركتُ مُبكرًا في حياتي هذه البدهية: "على قدرِ الأملِ تأتي خَيبةُ الأمل"! فكان السؤال: كيف تحيا حياةً بلا خَيبات أمل؟ وبالطبع تكون الإجابة: لا تأمل! منذ ذلك الحين وأنا أتدرع بدروع تَقيني من الخَيبات، وأبني حول نفسي حصونًا من اليأس، لأظل في مساحاته الآمنة، نائيةً بنفسي عما يدور خارج أسوار هذه الحصون من صراعات وجودية بين اليأس والأمل، خَيطانِ ما اعتنقا إلا ليَجتَلِدا كما قال "تميم البرغوثي".

غالبًا ما أَكون قانعةً بمجرد حياة خالية من الخَيبات، ولكن أحيانًا ما أطمعُ في حياة مليئة بالمفاجآت السارّة، فألجأُ إلى فلسفة د.أحمد خالد توفيق: "دائمًا أتوقع الأسوأ، وفي كل مرة يتضح أن توقعاتي كانت أسوأ من الحقيقة، هذا جعل الحياة بالنسبة لي سلسلة من المفاجآت السارة، المتفائلون في رأيي هم أكثر الناس إصابةً بخَيباتِ الأمل، بينما أنا أتوقع مثلًا أن يسقط علينا نيزك في هذه اللحظة، لو لم يحدث هذا لشعرتُ بأني محظوظ وأن الحياة أجمل مما نظن".

أن تقول لقلبِك كلما طَمِعَ في شيءٍ بعيد المنال لا تملك أسبابه: لا تمدن عينيك، ألا تحلق بآمالك وتوقعاتك الحالمة عاليًا فيكون السقوط مروّعا.

وآخر تبنى فلسفة مغايرة، فلم يكتفِ بتوقع الأسوأ بل أتى به وابتلعه: "على المرء أن يبتلع ضفدعًا في الصباح ليضمن أنه لن يواجه ما هو أكثر قرفًا "بالتأكيد سيظل طوال يومه ممتنًا جدًا لكل ما هو أقل قرفًا من الضفدع الذي ابتلعه!

لعل ذلك نوع من الذكاء الذاتيّ، أن تفهم نفسك وتعي كيف ينبغي أن تتعامل مع أفكارك ومشاعرك، أن تقول لقلبِك كلما طَمِعَ في شيءٍ بعيد المنال لا تملك أسبابه: لا تمدن عينيك، ألا تحلق بآمالك وتوقعاتك الحالمة عاليًا فيكون السقوط مروّعا، أن تَرُدَّ إلى اليأس ما لم يتسع طَمَعًا كما قال الجواهري:

رُدُّوا إلى اليأسِ ما لَم يَتَّسِعْ طَمَعا .. شرٌ مِن الشرِ خَوفٌ مِنهُ أنْ يَقَعا
شرٌ من الأملِ المكذوبِ بارِقُهُ .. أن تَحمِلَ الهمَّ والتأميلَ والهَلَعا
وإنَّ مِن حسناتِ اليأسِ أنَّ لهُ .. حَدًّا إذا كَلَّ حَدٌ غيرُهُ قَطَعَا

وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب على المنبر يومًا: "إنَّ الطَّمعَ فقرٌ، وإنَّ اليأسَ غِنَى، وإنَّ الإنسانَ إذا أَيِسَ مِن الشيء استغنى عنه". وأظلُّ أزعمُ أني منيعةُ الحصونِ قويةٌ، وأن جَيشًا فيه يأسي جَيشٌ لا يُهزَم، حتى يمرَّ طيفُك، فأجدني أقول: وأعلمُ أنّ وَصلَكَ ليسَ يُرجَى .. ولكنْ لا أقلَّ مِنَ التّمنّي! ولا ضَيرَ، فبعضُ المعاركِ في خُسرانِها شَرَفٌ. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.