شعار قسم مدونات

علي عزت بيجوفيتش.. الرجل والقضية

blogs - علي عزت بيجوفيتش
يقول عزت بيجوفيتش إنها شذرات لا تمثّل حياتي كلّها.. ذلك لأن أجزاء كاملة من حياتي إما أني نسيت تفاصيلها وإما أنها تخصني وحدي ولا تهم غيري، وما بقي من حياتي إنما هو سردٌ زمني للأحداث أكثر من أن يشكل سيرة ذاتية، أو قل إنها قصة الأحداث كما وقعت في مجرى حياتي.

هكذا يقدم لنا علي عزت بيجفويتش السياسي والمفكر المخضرم المولود عام 1925 في بلدة ( بوسانا كروبا) في شمال غرب البوسنة، لأسرة عريقة في تاريخ الإسلام بالبلقان. وكانت أمه على قدر من الورع والتقوى، فغرست في قلبه حب الإسلام. فعشق القرآن وخصوصًا سورة الرحمن، وهو صبي يافع.

أسس مع زملاء له في الثانوية نادي الشبان المسلمين وهو طالب، وتوسع النادي فيما بعد ليصبح جمعية ثقافية وخيرية، واجتذب العديد من طلاب جامعة سراييفو التي درس فيها علي عزت القانون، وأدت الجمعية خدمات اجتماعية جليلة خلال الحرب العالمية الثانية، وحينما احتلت النازية الألمانية مملكة يوغوسلافيا وأحالتها جمهورية فاشية.

كان علي عزت معنيًا بتوفير أدوات مناسبة عصرية لتعميق الفكر الإسلامي عند الشباب المسلم فعكف على بحث وتأليف كتابه الإسلام بين الشرق والغرب.

كان علي عزت معنيًا بتوفير أدوات مناسبة عصرية لتعميق الفكر الإسلامي عند الشباب المسلم فعكف على بحث وتأليف كتابه الإسلام بين الشرق والغربقاطعت جمعية الشبان المسلمين النظام الفاشي، وضايقها هذا النظام فحرمها من الشرعية القانونية. تخرج علي عزت محاميا، وجهد في إتقان اللغات الأوربية الأساسية، ومنها الألمانية والفرنسية والإنكليزية، كما بنى بجهده الخاص ثقافة رصينة في العلوم الاجتماعية والفكر الإسلامي والأدب حتى أصبح ضليعا بهذه العلوم.

أما حياته فقد كانت أعمق من هذا وأعرض، فهي تشمل إلى هذه السنوات حياته الفكرية ونشاطه وفاعليته وإنجازاته، فحياته تنطوي على أعمار أخرى وتتّسع لأبعاد كثيرة، فهو بحق رجل بأمّة، ومن أجل فهم هذه الحقيقة سنمتطي صهوة كتابه المميز الإسلام بين الشرق والغرب، بتصفّح سجل أفكاره وكتاباته وأعماله والنظر مليّا في مسيرة حياته ونضاله.

بين دفتي كتاب الإسلام بين الشرق والغرب
كتاب الإسلام بين الشرق والغرب، يكشف لنا النقاب عن سمات شخصية بارزة في عالم الفكر ورحابة الإنسانية، فإذا صح منهج عباس محمود العقّاد في دراسته للعبقريات من أن لكل شخصية عبقرية مفتاح ندخل به إليها، فإننا نقترح بالنسبة للمفكر علي عزت بيجوفيتش عشقه الدائم للحرية وتقديسه المفرط للمسؤولية والديمقراطية في آن واحد، ونجده يزاوج في كتابه بين حرية الإنسان ومسؤوليته من ناحية وبين الخلق الإلهي من ناحية أخرى، وعزت يدرك منذ وقت مبكر المخاطر المحدقة بالأجيال الجديد وقد حرموا من أي تعليم إسلامي في مجتمع دينه الرسمي الإلحاد، يُعتبر اقتناء المصحف جريمة يستحق عليها العقاب.

لذلك كان علي عزت معنيًا بتوفير أدوات مناسبة عصرية لتعميق الفكر الإسلامي عند الشباب المسلم فعكف على بحث وتأليف كتابه الإسلام بين الشرق والغرب كان الهدف منه كما ذكر في مقدمته: «محاولة ترجمة الإسلام إلى اللغة التي يتحدث بها الجيل الجديد ويفهمها» وعندما أوشك على إنهاء الكتاب أودع السجن فلم يتمكن من نشره آنذاك.

ولكن استطاع صديق له هو حسن كراجيتش أن يهرّب أصول الكتاب خارج يوغسلافيا حيث قام باستكمال الاستشهادات المرجعية للكتاب وترجمته إلى اللغة الانجليزية، ونشر أول طبعة له في الولايات المتحدة سنة 1984، ثم أعيد طبع الكتاب مرة أخرى سنة 1989.

 يدرك عزت منذ وقت مبكر المخاطر المحدقة بالأجيال الجديد وقد حرموا من أي تعليم إسلامي في مجتمع دينه الرسمي الإلحاد، يُعتبر اقتناء المصحف جريمة يستحق عليها العقاب.

ليس كتاب «الإسلام بين الشرق والغرب» كتابًا بسيطًا يمكن للقارئ أن يتناوله مسترخيًا أو يقتحمه من أي موضع فيقرأ صفحة هنا وصفحة هناك ثم يظن أنّه قد فهم شيئًا، إنما على القارئ الجاد أن يحتشد له ويتهيأ للدخول في عالم فكري واضح الثراء متميز بمنهج تحليلي دقيق، فالمؤلف يضع كل فكره تحت مجهره الفاحص، وهو في ذلك دائب السعي للوصول إلى حقائق الأشياء وجوهرها. والكتاب إلى جانب ذلك يتمتع بأسلوب أخّاذ وقوّة منطق تعكس ثقافة مؤلفه العميقة.

فمؤلف الكتاب متمكن من الثقافتين الإسلامية والغربية معًا. ولا ننسى أنّه أوروبي بالمولد والنشأة والتعليم، ساعدته قدراته اللغوية أن ينفذ إلى أعماق الفكر الغربي في لغاته الأصلية الألمانية والإنجليزية والفرنسية إلى جانب لغته البوسنية (الصربوكرواتية).

وفي هذه الدراسة سنعرج على أبرز القضايا الكبرى التي تطرق إليها علي عزت بيجوفيتش في كتابه: الإسلام بين الشرق والغرب، والتي نطمح من خلالها إلى التعريف بفكر المجاهد والمفكر والفيلسوف بتعبير الدكتور عبد الوهاب المسيري، مركزين في ذلك على أهم القضايا الجوانية التي اتسم بها فكر علي عزت بيجوفيتش…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.