شعار قسم مدونات

أوروبا تؤوي اللاجئين.. وتنصِّرهم أيضًا

blogs - كنيسة
(الجهود الإنسانية والخيرية لصالح اللاجئين أعطت معنى جديدًا للكنائس في أوروبا). "أمدرو كيسنوت" خبير الشؤون المسيحية العالمية بجامعة فرجينيا كومونولث. في البدء كانت الحرب، ثم تبعها الموت واللجوء، لجوء إلى الداخل العربي، ولجوء إلى الخارج الأوروبي.

فالاستجابة العربية على سطحيتها الفكرية وانتهاك كثير من جهودها للمعايير الإنسانية الأساسية، واقتصار تركيزها على أبسط وسائل الإعاشة البدنية، وافتقادها لتحقيق أسباب الرقي الروحي والثقافي والديني، والغربية على استغلالها للأزمة لتحقيق مكتسبات دينية وديموغرافية، وتركيزها على الدعم الاجتماعي والتعليمي الذي يغير القناعات ويتلاعب بالهوية – بينهما تتآكل المسافات البينية حتى يغدوان طرفين دميمين يمتصان دماء اللاجئين للفوز بالمزيد من الأصوات السياسية والمكاسب الدينية..

 
نشرت مؤخرًا "دويتشه فيلله" الألمانية تقريرًا قالت فيه: إن الإحصاءات الألمانية تشير إلى أن أعداد المتنصرين من اللاجئين المعمَّدين في الكنائس الألمانية وحدها ازدادت من نحو 17 ألفًا إلى 178 ألفًا و408 آلاف في عام واحد، وذلك من العام 2014 إلى العام 2015.

من ضمن اللاجئين نساء تعرضوا لأبشع أنواع العذاب النفسي والإصابات البدنية، يعانين من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وأطفال رأوا الرعب بأعينهم في مصارع آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم.

هذه الإحصائية الصادمة -التي تقول إن عدد اللاجئين المتنصرين تضاعف 10 مرات في عام واحد- أنعشت من جديد في أوساط المثقفين العرب والمسلمين خطورة ظاهرة تنصير اللاجئين في أوروبا، واستغلال القارة العجوز الظرف الطارئ للمعوزين لاستبدال دينهم الإسلامي الآخذ في النماء بين أفراد الشعب الأوروبي، والذي تتنامى المخاوف من أن يكون الدين الأول فيها بحلول العام 2075 في ظل انحسار نسب النصارى وتضاعف نسب المسلمين.

منذ أن نشبت الأزمة واشتعل أوار الحرب (السورية على وجه الخصوص) – استدعت دول أوروبا ومنظماتها التنصيرية إمكاناتها لاستمالة اللاجئين والدخول بقوة على خط الإغاثة، وإتاحة حق لجوء المشردين إلى دول أوروبا، مع منح تسهيلات للمتنصرين الجدد للحصول على الإقامة بحجة الاضطهاد الديني لمن يفكّر في العودة، حيث تستغرق الموافقة على تأشيرة المتنصِّر ثلاثة أشهر، ليعاد سؤاله عن أسباب تنصره ومنحه تأشيرة الإقامة وهذا ما لا يحدث مع إجراءات اللجوء الطبيعية.

في المقابل منعت دول سلوفاكيا والتشيك وبولونيا وبلغاريا استقبال اللاجئين ما لم يكونوا من أصحاب الديانة النصرانية ابتداءً، وذلك خوفًا من تهديد الهوية المسيحية للقارة الأوروبية، وهو الأمر الذي أثار ضجة وصفت إزاءها الدول الأربع بالعنصرية تجاه المسلمين.

نحن لا نتحدث هنا عن أمر خفي تجتهد الحكومات والمنظمات الإغاثية الغربية في إخفائه، كلا، فالأمر قديم وأوضح من أن يُخفى، والمنظمات الغربية تتفاخر باستنفادها الوسع في نشر النصرانية بين النازحين، والإجراءات الحكومية تبدي ما تخفيه القوانين الأوروبية من تسهيلات الحصول على التأشيرة للمتنصرين.. والإحصاءات والتصريحات الغربية من أسهل ما يمكن الحصول عليه في هذا المجال. وهذا ما لن نجتهد في حشد الأدلة عليه هنا..

لكن الجدير بالالتفات إليه هو حجم السذاجة العربية، سواء على مستوى الدول أم المنظمات الإغاثية التي تتقاعس عن أداء دورها في المحافظة على عقائد الناس وانتمائهم إلى الإسلام أيًا كان ولاؤهم الطائفي، وتكتفي بمنحهم -بيدٍ عليا- فتات طعام أبنائها وألبستهم.

هذه أسوأ أزمة إنسانية في الشرق الأوسط منذ 20 عامًا، وبالتالي فهناك فرصة لإطعام اللاجئين وإلباسهم وإحياء حب المسيح فيهم وهم يلاحظون فرقًا. "توم دويل".

لم يتوقف الأمر عند حد التقاعس المخزي، وإنما تعدّاه إلى السماح للمنظمات التنصيرية بممارسة نشاطها الفج في المخيمات التي تقيمها للاجئين؛ حيث توزَّع المعونات الغذائية في بعض مخيمات لبنان والأردن مرفقة بنسخ من الإنجيل وأشرطة وقصص للأطفال عن الديانة النصرانية، مع وعود بتسديد بعض النفقات في مقابل قراءة هذه المواد وحفظها.

مع الأسف يحدث ذلك وهمُّ غالبية المنظمات الإغاثية العربية الاقتصار على توفير الإعاشة من طعام ومأوى وملبس، تاركين العقول والأفئدة لمرتزقة الغرب وصائدي الجوائز تصنع بها ما تصنع.. اللاجئون يعانون من كثير من المشكلات، ليس فقط على الصعيد المادي، وإنما كذلك على الصعيد النفسي والاجتماعي والديني والتعليمي، وظروف اللجوء نفسها والاضطرار إلى مبيت الأسرة بالكامل -وقد تكون أكثر من أسرة- ربما في غرفة واحدة يتسبب في كثير من الأمراض الاجتماعية والمشكلات الأسرية، فضلاً عما يتناوش هؤلاء المساكين من مشكلات دينية تتعلق بإشكاليات عقدية عن القدر وعقدة الاضطهاد الإلهي.

هذه المشكلات تتطلب تركيزًا واضحًا واهتمامًا بالغًا من قبل المنظمات والمؤسسات الإغاثية للإجابة عن تساؤلات هؤلاء اللاجئين، وخلق بيئة صحية تتناسب والظرف الطارئ الذي يعانون، ومواجهات حاسمة مع المنظمات الغربية التي تركز بشكل أساس على ضرب الهوية الثقافية والدينية والاجتماعية لهم، فإن لم يكن متاحًا منعهم من ممارسة أنشطتهم، فلا أقل من ممارسة دور مقابل يحفظ على الناس دينهم وهويتهم وقيمهم الاجتماعية.

من ضمن اللاجئين نساء تعرضوا لأبشع أنواع العذاب النفسي والإصابات البدنية، يعانين من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، وأطفال رأوا الرعب بأعينهم في مصارع آبائهم وأمهاتهم وإخوتهم ويعانون كذلك من ذات الاضطراب، ورجال وشيوخ ذاقوا الذل والويلات وتجرعوا مرارة العجز. وسبَّب ذلك لديهم زعزعة وشكًّا -ولو بقدر- في نصرة الله لهم وإن كانوا على الدين الصحيح أم لا، فضلاً عن جيل جديد متسرّب من التعليم، بدأ يعاني من مغبة الجهل ونقص المعلومات يستعد مواجهة الخطر القادم بيدٍ خالية، كل ذلك جعلهم فريسة سهلة لمن يمد إليهم يديه بدولار وإنجيل.

منعت دول سلوفاكيا والتشيك وبولونيا وبلغاريا استقبال اللاجئين ما لم يكونوا من أصحاب الديانة النصرانية ابتداءً، وذلك خوفًا من تهديد الهوية المسيحية للقارة الأوروبية.

الجهود الإغاثية العربية تقدّم خدمة للمنصّرين دون أن تدري، فهي تمهّد لهم الأجواء، وتحسّن الظرف المعيشي للاجئين بشكل جزئي، فتصبح مجرد خزانة أموال لا أكثر، في حين تتخلى عن التأثير الإيجابي عليهم ودعمهم نفسيًا وفكريًا واجتماعيًا، فترسخ لديهم ما تتحرك به نفوسهم ودواخلهم من شكوك وريبة، وتعزز ما لديهم من أفكار تجاه الإسلام وجدوى اعتناقه في ظل هذا الظرف الصعب، فيصيرون بذلك على شفا اعتناق أي فكر أو عقيدة تقدّم لهم ما يفتقدون.

المسؤولية كبيرة، وإبراء الذمة بتحقيق الحد الأدنى من الكفاف سهل، إلا أن المنوط بالعاملين في مجال الإغاثة أكبر من ذلك، والتحديات قد لا تكون سهلة، والمواجهات مع أرباب النفوذ لها ثمن بالتأكيد، إلا أن تحقيق الريادة بأداء أدوار نوعية وأكثر فاعلية وانتشال الغرقى من براثن التنصير والشتات له لذة خاصة لا تضاهيها نجاحات فرعية مؤقتة.

أختم هنا بتصريح كاشف لـ"توم دويل" مدير فرع منظمة (إي ثري بارتنرز) التنصيرية في الشرق الأوسط؛ حيث يقول عن أزمة اللجوء السورية: (هذه أسوأ أزمة إنسانية في الشرق الأوسط منذ 20 عامًا، وإن هذه المشكلة -مشكلة اللاجئين- مربكة بالنسبة للحكومة الأردنية، وبالتالي فهناك فرصة لإطعام اللاجئين وإلباسهم وإحياء حب المسيح فيهم وهم يلاحظون فرقًا).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.