شعار قسم مدونات

وقتك ميزانيتك فلا تنفق منه بسخاء

blogs - clock
أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة: هكذا يقيم علينا الحجة كل يوم جديد ينشق فجره، هذا تحذير من محيطك الذي يحل عليك كل يوم منبها إياك بقيمة الوقت الذي لا تبالي به، وفي أحشائك قلب لا يتوقف عن النبض بنبضات تتسارع بسرعة الثواني تسمعها من داخلك وكأن دقات قلبك تقول لك إن الحياة دقائق وثوان. نداء من قلبك يا غويفل ونداء من يومك ولا زلت لا تبالي بمرور الأيام والشهور… توقف! وراجع نفسك قبل فوات الأوان.
 
وقتك ميزانيتك فلا تنفق منه بسخاء! عمرك أيام تتناقص فكلما ذهب يوم ذهب بعضك ، فاغتنم كل دقيقة من وقتك ولا تعبث بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ، فلا تكن من المغبونين اغتنم كل دقيقة تراها ستذهب في مهب الريح. جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عمر: «اعدد نفسك في الموتى، وإذا أصبحت نفسك فلا تحدثها بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدثها بالصباح، وخذ من صحتك لسقمك، ومن شبابك لهرمك، ومن فراغك لشغلك، ومن غناك لفقرك، ومن حياتك لوفاتك.

فلا تأثرن عليك اليوم شبكات الانترنت والهواتف الذكية وما تحويه من برامج تطبيقية لأن خطورتها تشتد يوما بعد يوم في فوات الوقت الثمين والمفيد على جمع عظيم من الناس والشباب والفتيات.

إنها وصايا عظيمة من النبي الذي لا ينطق عن الهوى، علمه الله تعالى كيف يدير وقت حياته بامتياز كبير، فهو معلم الأمة الأول وصاحب مفاتيح الدنيا والآخرة، يشير بإيجاز إلى ما فيه نجاح الأمة وفلاحها هنا في الدنيا وقبل الآخرة غدا وكل ذلك في صالح الخلود الأبدي في دار لا نزاع فيها ولا ضوضاء ولا غوغاء.

وقتك ميزانيتك فلا تنفق منه بسخاء ! فرحم الله الإمام ابن القيم حينما قال: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته…

فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته". ويقول ابن الجوزي : "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل". ورحم اللهُ الوزيرَ ابن هبيرة إذ قال:

وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ وَأُرَاهُ أَسْهَـلَ مَا عَـلَيْكَ يَـضِيعُ

ومن هذا القبيل أيضا قول الشاعر:

إِنَّــــا لَـنَفْـرَحُ بِـالْأَيَّـــــامِ نَقْطَـعُـهــــا وَكُـلُّ يَوْمٍ مَضَى يُـدْنِي مِــنَ الْأَجَــلِ
فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِداً فَإِنَّمَا الرِّبْـــــــحُ وَالْخُسرَانُ فِي الْعَمَلِ

وقتك ميزانيتك فلا تنفق منه بسخاء! لأنك في زمان قد عرف قدره وما يحويه من فتن قد أتت على الأخضر واليابس لا ينجو منها إلا ذو عقل فطن وفؤاد متقد ومشاعر تتقطع لفوات وقت ليس فيه خير الدنيا والآخرة ونفع لأمة منتكسة تحتاج إلى من ينقذها من ويلات التبعية الغربية اقتصاديا وفكريا واجتماعيا…، ولا يكون ذلك باستغلال الوقت في المفيد من الأمور والصالح من الأعمال في شتى المجالات العلمية والمعرفية والأدبية؛ فهي منك لبنة من لبنات الإصلاح والإسهام في الوعي بخطورة اللحظة التي تعيشها الأمة في زمن التكنولوجيا وناطحات السحاب وغواصات المحيطات والبحار.

ولكن ما يحز حقيقة في النفس هو مشاهدة الكثير من الناس الغفل عن مصالحهم يجلسون الساعات الطوال في المقاهي دون أدنى عمل، ينتظرون الساعة، والساعة أدهى وأمر، ولكنها يا أسفي ساعة صفارة الحكم معلنا انطلاق مباراة بين فريقين رغبة في الفرجة واستلهاما للتشويق وأي فرجة؟ بل أي تشويق؟ إذا كانت الأمة في الأصل فرجة وسخرية من أمم ظلت تنشد الصلاح في كل الميادين معلنة تقدمها وتطورها علينا ولا يحرك ساكنا إلا النزر القليل المحتشم من ذوي بعض العقول الغيورة على الدين والوطن والقيم.

يقول ابن الجوزي: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل.

وقتك ميزانيتك فلا تنفق منه بسخاء! فلا تأثرن عليك اليوم شبكات الانترنت والهواتف الذكية وما تحويه من برامج تطبيقية لأن خطورتها تشتد يوما بعد يوم في فوات الوقت الثمين والمفيد على جمع عظيم من الناس والشباب والفتيات حتى إنه قد تمخض عنها تشتيت الأسر وإفشاء الأسرار ونبش العواطف وإيغار العداوات بين القلوب وانطواء على الأب والأم والأخ، الكل منشغل وخاشع بينه وبين معبوده، اللهم إلا إذا تم استغلال هذه الوسائل في الإصلاح بين الناس وتوطيد صلة الأرحام والتذكير بالله وتنمية الذات واستثارتها في الرقي والتألق والعطاء، وهو الحاصل والحمد لله في بعض المنشورات الطيبة العفيفة.

وخاتمة القول من هذا الفصل من المقال أني أتوق وغيري إلى مشاهدة أمة قوية أمينة بشيبها وشبابها، نسائها ورجالها تتطلع إلى مستقبل عظيم تتلاقى القلوب والأجساد على المحبة والتعاون الجاد وتنشد تغيير العقول والتصرفات من سفاسف الأمور والتعلق بأرذال الأشياء إلى التعلق بعظم الأعمال وجميلها فهو ديدن كل عاقل وسبيل كل ناجح يزيل ما اختلط والتصق بجلباب الأمة من أدران وشبه ظلت وصمة عار وحائط صد…وتبقى وسيلة الوقت الغالي شامخة وعالية في عيون المجدين وأولي الهمم والعزم من أنصار كل تقدم وتطور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.