شعار قسم مدونات

هولوكست نكبة فلسطين

blogs - nakba

واحدٌ وثلاثون عاماً كانت كافيةً لتحقيق الوعود التي قُدّمت لإسرائيل وتحويل ما خُطّ على الورق إلى واقعٍ مفروض على الأمة الإسلامية، شاءَ من شاء، وأبى من أبى..  فمنذ عام 1917 حيث وُضِعَت بنود بلفور، حتى عام 1948 م حيث قامت دولة الاحتلال رسمياً، الكثير من الحكايا التي لابد أن تُروَى، إلا أنني أفضّل أن يكون الصمت هو سيّد الموقف.. 

وذلك لأنّ إسرائيل وحلفاءها آنذاك تمكّنوا من إقامة دولتهم المنشودة وتغيير خارطة العالم، وإجبار الجغرافية أن تعترفَ بخارطة دولة الاحتلال الصهيوني، بينما لم يتمكّن العرب والمسلمون ومن خلال تسعةٍ وستين عاماً من إحداث أي شيءٍ يُعيد ماءَ الوجه الذي فقدوه إبّان نكبة فلسطين، وأزيدُ من الشعر بيتاً، فإنّ الأوضاع تسير نحو الأسوأ بدلاً من أن يتمّ تحقيق تقدّمٍ سياسي أو عسكري على حساب دولة الاحتلال.. 

وبجلاءٍ واضح، مَن يقرأ صفحاتِ النّكبة ويقوم بعمليّة مقارنة سريعة بين موقف العرب عام 1948 من القضية الفلسطينية، وموقفهم منها اليوم، فإنّه يُصاب بالحيرة والدهشة، على الرغم من أنّ الموقف العربي لم يكن وقتها كافياً، ولو كان كذلك لَمَا وصل الصهاينة إلى حلمهم المنشود.. 

من يقرأ تلك الصفحات التي تحدّثُنا عن النكبة سيقرأ أنّ جيش الإنقاذ العربي انضمّ إلى جيش الجهاد المقدّس الذي شكَّلَه أبناءُ فلسطين، لِيَلتَحِمَ الجميع تحت هدفٍ واحدٍ وغايةٍ واحدة وهي تحرير فلسطين وعدم السماح أبداً بتمرير المشروع البريطاني الإسرائيلي

ولكنّكَ حين تقرأ أنّ هناك ست دول عربية شاركت وبقوة في محاولات الرّدع العربيّة ضدَّ مساعي إقامة دولة إسرائيل وهي: سورية والأردن ولبنان والعراق والسعودية ومصر، فحين تُطَالِعُك هذه الأسماء تعتريك الدهشة وخاصةً حين ترى أنّ بعض الدول العربية اليوم هي شريكة في حصار الشعب ذاته الذي دافعت عنه عام 1948، وليس هذا فحسب، بل راحت تخطُّ رسائلَ التّهنِئَة والتّبريك لإسرائيل بمناسبة ذكرى قيام دولتهم الصهيونية.. 

فمن يقرأ تلك الصفحات التي تحدّثُنا عن النكبة سيقرأ أنّ جيش الإنقاذ العربي انضمّ إلى جيش الجهاد المقدّس الذي شكَّلَه أبناءُ فلسطين، لِيَلتَحِمَ الجميع تحت هدفٍ واحدٍ وغايةٍ واحدة وهي تحرير فلسطين وعدم السماح أبداً بتمرير المشروع البريطاني الإسرائيلي فوق أرض فلسطين، ثم بعد ذلك الْتَحَقَ جميع المتطوّعين الذي تدفّقوا من هنا وهناك للدفاع عن مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي مقدّمتهم حركة الإخوان المسلمين ومقاتلون قادمون من اليمن والسودان وباكستان، ليمتزج الدم الفلسطيني مع الدم السوري والدم العراقي، وتتجمّع الأشلاء المتناثرة سعودياً ومصرياً وأردنيّاً ولبنانياً فتشكّل جسداً واحداً من خليطٍ عربي مُقَدَّسٍ.. 

ستقرأ في تلك الصفحات أنّ خمسةَ عشرَ ألفاً من الشهداء الفلسطينيّين، تبادلوا أوسمة الشهادة والفَخَار مع سبعة آلاف شهيدٍ عربيٍّ من باقي الدول العربية، وستقرأ كذلك أنّ مصر كانت الأولى من حيث عدد المشاركين في القوات العربية، في حين خاض الجيش الأردني أشرس المعارك على الجبهة الأردنية الإسرائيلية، فقد عبرت ثلاثة ألوية تابعة له نهرَ الأردن في السادس عشر من أيار عام 1948 لتخوض ثلاث معارك شَرِسَة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وفي طليعتها معركة اللطرون، وقد تمَّ تحرير مدينة جنين بعد انضمام القوات العراقية..  إذاً هي جهود عربية متكاملة، ورغم أنها لم تكن ضمن المستوى المطلوب، لكنّ المُشرِقَ فيها أنّها صُبِغت بالوحدة العربية لأوّل مرّة في التاريخ العربي الحديث.. 

أمّا المتتبّعُ للقضيّة الفلسطينيّة اليوم، فإنّه يغصّ إزاء ما يصادفه من كبواتٍ ولكماتٍ قاتلة أصابت المواطنَ الفلسطينيَّ وغيرَ الفلسطيني في الصميم، فعربدةُ إسرائيل واضحةٌ للعيَان وهي ليست بحاجة إلى توضيحات، خاصّةً فيما يتعلّقُ بمسألة التهويد والاستيطان والتهجير، أضِف إلى ذلك الانقسامَ الفلسطيني الذي يُعتبَر من أكثر الصفحات سوداويّةً في سِجلّ القضية الفلسطينية والذي أذهبَ الريحَ الفلسطينية، وجعلَ البعض يوجّه بوصلةَ الخصومة من وجهتها الحقيقية والتي تتمثّل في معاداة إسرائيل، إلى مخاصمة رفيقه في الخندق وزميله في الفداء، والذي أدّى إلى دخول الجميع في أتّون الفرقة الذي صبّ ومايزال يصبّ في مصلحة اسرائيل باعتبارها المستفيد الأول من هذا الانقسام، ولطالما سعت إسرائيل إلى تعميق هذا الانقسام بوسائل خبيثة غير مباشرة.. 
 

اللّاجئ الفلسطيني الذي كان يعيش بعيداً عن فلسطين بضعة كيلومترات في مخيمات الشتات في لبنان أو سورية، وجد نفسه اليوم ملفوظاً على الجزر اليونانيّة لِيَشقَّ طريقاً آخر للجوء نحو القارة الاوروبية، وليكملَ حلمه بالعودة هذه المرة بعيداً وبعيداً جداً عن فلسطين

لذلك وجد المواطن الفلسطيني نفسَه اليوم وبعد تسعة وستين عاماً من نكبة بلاده، وجد نفسه في بواعث اليأس والقنوط لأن القضية الفلسطينية وإن كانت حاضرة أحياناً في المحافل الدولية إلا أنّ صداها لم يكن كذلك الصدى السابق.. 

كذلك اللّاجئ الفلسطيني الذي كان يعيش بعيداً عن فلسطين بضعة كيلومترات في مخيمات الشتات في لبنان أو سورية، وجد نفسه اليوم ملفوظاً على الجزر اليونانيّة لِيَشقَّ طريقاً آخر للجوء نحو القارة الاوروبية، وليكملَ حلمه بالعودة هذه المرة بعيداً وبعيداً جداً عن فلسطين. في حين تعيش إسرائيل حياة الديمومة السعيدة فوق التراب الفلسطيني، غير عَابِئَةٍ بممتلكات الفلسطينيين وأرضهم، معتبرةً أنّ هذه الأرض هي أرضها وان اللاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا من بلادهم، عليهم أن يبحثوا عن وطن بديل في أيّة بقعة كانت.. 

ولعلّ خيرَ دليلٍ على صحة هذا القول هو ما جاء في السؤال الصائب الذي وجّهه يوماً الإعلامي الفلسطيني جمال ريان والعامل في قناة الجزيرة إلى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قائلا له وبجرأةٍ منقطعة النظير: منزلُكَ الذي تعيش فيه هو منزلي ومُلكي، ولديَّ وثائق تثبت ذلك، فأنتَ تعيش في بيتي الآن. فردّ عليه بيريز: عليكم أن تبحثوا عن وطن بديل فأنتم تملكون 22 دولة عربية ونحن لا نملك إلا هذه البقعة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.