شعار قسم مدونات

معتز والشنقيطي وحلاق

blogs - ناس في الشارع
رغم صدور الكتاب في ٢٠١٢، إلا أن كم التفاعل لأطروحة الدولة المستحيلة لوائل حلاق في الأسابيع الثلاثة السابقة تحديداً رهيب، أحصيت منها ١٥ مقالا أغلبها نشر في مدونات الجزيرة. وبدا الاستقطاب واضحاً بين مدافع عن الأطروحة كلها ورافض لها تماماً. الملفت منها مقالات الأساتذة الفضلاء د.محمد المختار الشنقيطي ود.معتز الخطيب ود.أبو يعرب المرزوقي، ثم مشاركة د. نايف نهار وعبد القدوس الهاشمي وغيرهم، وقبلهم هبة رؤوف ومحمد فاضل وطلال أسد، فضلاً عن النقاشات الجادة في مجاميع الوتساب. والذي أرهقني، وربما أرهق من تابع هذه المقالات الأخيرة تصوير أستاذنا الشنقيطي الشباب المحتفين بالدولة المستحيلة بالسذج الذين وقعوا في فخ حلاق وأسلوبه الساحر المعسول، وتصوير أستاذنا معتز ناقديه بعدم استيعاب جوهر أطروحته.
مقالنا أسئلة -ليس إلا- نضيفها إلى النقاش. وحين أقول أسئلة، فأنا أتهرب من القطعية في طرح رأي، وأنأى منها أن تعلق بي حين تتغير الرؤى. لا يخفى على حلاق ومؤيديه أن أزمة المجتمعات الإسلامية اليوم هي أزمة استبداد وتبعية، وأن تحدي المرحلة هو تحدي تحرر واستقلالية. وحين يتحقق ذلك، فإننا سنقفز قفزة أخلاقية كبيرة، وندنو أكثر من المقاصد الأخلاقية الإسلامية التي يدعو إليها حلاق.

ألا يرى حلاق أن من الأنسب استمرار الحركات الإسلامية على مشروع الدولة الحديثة الآن، وتأجيل الحديث حول أطروحته المشروعة والرائعة والملهمة؟ هل يخاطب حلاق النخب الفكرية في العالم الإسلامي للتأمل في أطروحته.

إن نقد الدولة الحديثة أمر مقبول ومعقول في مجتمع دولة حديثة، لذا فإن نقاد الحداثة الغربيون يدعون اليوم إلى دولة ما بعد حديثة تحقق فيه مكسباً أخلاقيا جديداً، وهو انتقال سليم من مرحلة لأخرى. أما المجتمعات الإسلامية اليوم تعيش في دولة ما قبل حديثة، في حضيض الأخلاق السياسية، في الاستبداد والتبعية. وبذلك يكون المناداة بتصور ما بعد حديث في وقعنا غير الحديث أصلا تجاوز لما يشبه الحتمية التاريخية في التطور السياسي للمجتمعات. وبذلك تكون اليوتوبيا الإسلامية التي يريدها حلاق -وبغض النظر عن روعتها- هي المستحيلة لا الدولة الحديثة الممكنة والمتاحة الآن.

تساؤل ثان ينتج عن الأول: إن التخلي عن الدولة الحديثة يستلزم التقليل من مركزية الدولة، لأن المركزية من أهم ما ينتقد على الدولة الحديثة، وهو مطلب جيد، ولكنه يضعف الأمة في مواجهة أعدائها. فإن كان الغرب يعادي الاسلام، فالغرب دول حديثة تتمركز قوتها لدى أجهزتها ومؤسساتها العسكرية والاقتصادية.

وفي حال أصبحنا دولا ديموقراطية حديثة، فالبون لا يزال شاسعا في القوة بين الدول الإسلامية والغرب، فكيف إذا ونحن دول غير حديثة لا مركزية؟

إن حديث بعض مفكري الغرب عن التخلي عن المركزية أمر مقبول وواقعي، لأن تفكيك مركزية الدولة لا يهدد الأمن الغربي، أما والمسلمون في حالة شتات، فهذة دعوة للانتحار.

استكثر شيخنا الشنقيطي على الشباب أن يتداول الكتاب ولو تداولا فكريا على الأقل، خوفاً عليهم من الوقوع في المثالية والدروشة السياسية، وربما كان محقاً لو كان كلامه للنخب السياسية المؤثرة على القرار السياسي.

ألا يرى حلاق أن من الأنسب استمرار الحركات الإسلامية على مشروع الدولة الحديثة الآن، وتأجيل الحديث حول أطروحته المشروعة والرائعة والملهمة؟ هل يخاطب حلاق النخب الفكرية في العالم الإسلامي للتأمل في أطروحته وإنضاجها لمستقبل بعيد، أم هو يخاطب النخب السياسية للتخلي عن الدولة الإسلامية الحديثة الآن؟

نسأل منتقدي حلاق أيضاً: ألا يمكن الاستفادة من حلاق وطه عبد الرحمن في بلورة مشروع مجتمع سياسي إسلامي أصيل لما بعد الدولة الإسلامية الحديثة؟ أم أن الدولة الحديثة هي المنتهى؟ هل تُنتقد أطروحاتهما لذاتها أم لتوقيتها؟

لقد استكثر شيخنا الشنقيطي على الشباب أن يتداول الكتاب ولو تداولا فكريا على الأقل، خوفاً عليهم من الوقوع في المثالية والدروشة السياسية، وربما كان محقاً لو كان كلامه للنخب السياسية المؤثرة على القرار السياسي للأحزاب والقوى الإسلامية، أما بقية الشباب المسلم في الميادين الفكرية فمجال المثالية والتنظير لديهم أرحب وأوسع.. هذه أسئلة ملقاة على ضفتي النقاش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.