شعار قسم مدونات

كيف تتكون المعاني الأولى؟

blogs الأمومة

السمع الأول
جنين في بطن أمه يسمع نبضات قلبها المتتابعة تلك هي أول ما يسمع في دنياه وكأنها نغمات الحادي تطمئنه في منامه ولتظل تلك الأصوات الأولى هي طوق الأمان التي يخضع لها قلبه في كل اضطراب فيطمئن دوما لوجودها معه، صوت أمه الذي يسمعه من داخلها وهو أحد صوتين يسمعهما الإنسان من الداخل: صوت أمه وصوت نفسه، ذلكما الصوتان اللذان يستطيع الإنسان أن يميزهما من بين ملايين الأصوات ويستطيع أن يتجاهل جميع الأصوات وينصت لهما فقط وتلك حقيقة طبية ليس مجرد خيالات مسترسلة، يبقى صوت أمه الأول هذا يقوده في الحياة ليتلقى تعاليمه الأولى بحب ودفء.

النور الأول
وهج يغشى وجه رضيع مقبل على الحياة يستقبله فور خروجه من بطن أمه لا يكاد يستبين منه شيء ولا أن يتعود عليه، نور لا يدري كنهه في لحظاته الأولى ولا أن يميز بين الأشياء من خلاله، لكنه عالمه الملون يستقبله فيبهره ويسلب عليه عقله بعد ذلك فيكره أن يبقى في الظلام ولا أن يعود له، نور هو الأمل في أشعته والبهجة في خيوطه التي تقع على الأشياء فتميزها بلون في عين رائيها ويستمر العالم الملون من حوله حتى يغمض عينيه الغمضة الأخيرة فتطفئ الأنوار عن الدنيا، ويظل هذا النور الأول يذكره بلحظاته الأولى من فرحة واستشراق بالحياة ما رآه.

أول ما ينطقه الطفل هو كلمة بابا لا لأنه يحب أباه أكثر من أمه ولكنها لأنها أسهل في نطقها، التجربة الأولى في محاكاة حركة فم الآخرين والنجاح بإصدار صوت يشبه أصواتهم فما ذلك إلا تقليد دون فهم المعنى

الصرخة الأولى بالحياة
تلك الصرخة التي لا يعرف سرها الكثير فهي ليست فرار من الحياة و لكنها صرخة النفس الأول صرخة النفس بحرية، خروج من ضيق إلى سعة وكذلك الخروج من كل ضيق إلى سعة قد يدفعك ذلك إلى الصراخ، فترى الطبيب يقف مبتسما لذلك فرحا لسلامة الطفل فما نعتبره علامة ألم يعتبره هو علامة صحة بالحياة فكأنما يقول لنا أن الألم والصراخ دوما هما من لوازم الحياة، فلا تخجل أن تصرخ بعلو صوتك مخرجا الضيق من صدرك بعد كل فرج.

الكلمة الأولى
أول ما ينطقه الطفل هو كلمة بابا لا لأنه يحب أباه أكثر من أمه ولكنها لأنها أسهل في نطقها، التجربة الأولى في محاكاة حركة فم الآخرين والنجاح بإصدار صوت يشبه أصواتهم فما ذلك إلا تقليد دون فهم المعنى، لكنه يحب أن يكرره لما يرى في ابتهاج الأسارير لنجاحه في إصدار ذلك الصوت، ثم أنه ما يلبث أن يدرك المعنى بردود الفعل من حوله فيكرر الكلمات عند شعوره بذلك الانطباع الأول الذي رآه فيمن حوله، فعندما يرى أباه يقول بابا لأن ذلك الصوت ارتبط في ذهنه بذلك الشخص، وفي ابتسامة أباه الأولى لقوله هذا يرى الاستحسان لقوله وتستمر أي ابتسامة يراه تذكره بذلك الاستحسان الأول و تبدأ معه رحلة ربط الأسماء والأصوات ببعضها البعض حتى تكتمل بنجاحه في نطق كلمات تعبر عن شعوره وما ذلك كله إلا ثمرة لتجربته الأولى.

الألم الأول
من أقسى ما يتعرض له الطفل من آلام في فترته الأولى هو ألم الفطام، نعم فتلك هي أولى مراحل انفصاله عن أمه بعد ارتباط طويل قد يصل إلى عامين ونصف العام، شعوره الأول بالقرب من أمه يصيبه التشكك في أن ذلك الأمر لن يستمر طويلا، فهي مرآته التي يتعرف من خلالها الأشياء ومن تربط بينه وبين العالم من حوله، يرى الطفل في ذلك الهجر الأول مرارة الترك، ولكنه لا يلبث أن ينسى وفي النسيان هذا سلوى عن كل ألم ويبقى أثر ذلك المعنى الأول دائما في شخصيته فتراه يغضب ويحزن لمحاولة فصله عن الأشياء من حوله. وتستمر المعاني الأولى بالتجمع في خيال الطفل وعقله حتى تتكون شخصيته الأولى وتبدأ في خوض التجارب الشعورية الأولى والتحقق مما لديه من أفكار بسيطة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.