شعار قسم مدونات

الساركازم المصري

blogs - مدرسة المشاغبين
ليس في هذ العصر متنفس لأبناء هذا الجيل، الحكوماتُ من جهة، والغربُ و لوبياته من جهة، والصهيونية ومؤامراتها من جهة، ومشاكلُ الحياة اليومية من جهة، التناقضات المجتمعية من جهة، وتراكم التقاليد المزورة من جهة، والتاريخ المكذوب من جهة، وكل ما يُشكِّل لا وعينا العميق الذي أصبح وحشا بداخلنا، فكيف الفرح.
غالبا ما أُمَدّد بعد حمام ساخن في نهاية اليوم، مرتديا ثوب استحمام يبعث على الاسترخاء، لأنتهز فرصة التّجفيف من الماء لإلقاء نظرةٍ على صفحاتٍ فايسبوكية تدور مواضيعها حول الكوميديا، وفي ذلك الوقت بالذات لا أبتغي شيئا غير الكوميديا، لا أخبار ولا مواضيع نقاش جادة، ولو أني أعتذرُ في قرارة نفسي لسوريا وفلسطين واليمن وكثير من الدول الأخرى المنكوبة، على هذه الفُسحة التي تكاد تكون يومية، إلا أني لا أحسن العيش بدونها.

فُسحةٌ أضع عليها أوزار يومي الحالي، وأرتشف منها وقود يومي التالي، ولأن الضحك كما كل شيء في هذا العصر لم يعد عفويا، وجب إذن صناعتُه، ومَنْ أحسنُ صناعة في هذا المجال من المصريين، الساركازم المصري يعلو ولا يُعلى عليه بين كل صفحات الضحك العربي، ولو قُدر لنا إنشاء مدرسة للضحك لكان الساركازم المصري أول أساتذتها.

في المكتب مع زملائي، لا يمر يومٌ دون أن تلوح للأفق عبارة مصرية خالدة من "مدرسة المشاغبين" أو "العيال هربت" أو غيرِها من القفشات المضحكة، لقد بات الساركازم المصري جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

تكمن المادة الخام للساركازم المصري أولا في روح هذا الشعب الطريفة، إذ يكاد لا يخلو كل مصري من بعض القفشات في كلامه، لم أزُر يوما مصر مع أنّي آملُ ذلك دائما وأضعها في قائمة أسفاري المستقبلية، إلا أن ذلك لم يمنعني يوما من التكهن بأن كل تلك القفشات التي اشتهرت عندنا عن طريق السينما المصرية مردها إلى الشعب المصري، وأنها كانت تحيا هناك في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وأسوان بين أحاديث عامة ذلك الشعب البسيط.

حيث كانت الأفلام والمسلسلات الكوميدية خاصة تستقي عباراتها من الشعب، وتنشرها بكل أمانة إلى الجمهور العربي، وهي تفعلُ ذلك ملزمة لأن خزانها الوحيد هو الشعب البسيط، أما الساركازم المصري الحالي والذي يغزو فايسبوك العربي، في شتى المجالات، فهو ينحى الاتجاه المعاكس، يستقي "طرولاته" من عبارات خالدة وردت على ألسنة ممثلين أغلبهم كوميديين طبعوا حياة العربي منذ صغره.

الساركازم المصري يُوحد العرب، ودليلي على ذلك أني رأيت الكثير من المغاربة من صُناع الطرول يستعملون عبارات مصرية، ليُلامس منشورهم أكبر عدد ممكن من المتتبعين، ففي حين ينتشر منشور بعبارة مغربية بين عشرين مليون مستخدم على الأكثر، ينتشر المنشور المصري بين أكثر من مائة مليون عربي مستخدم للأنترنت.

في المكتب مع زملائي، لا يمر يومٌ دون أن تلوح للأفق عبارة مصرية خالدة من "مدرسة المشاغبين" أو "العيال هربت" أو غيرِها من القفشات المضحكة، لقد بات الساركازم المصري جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لا يحلو العيش إلا به، ولو بحثْت في كل اللهجات العربية الأخرى عن عبارة تغنيك عن ذلك المقال لما وجدت أبلغ منه، ولا وجدت ما يثير الضحك أكثر منه.

العديد من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية أو الرياضية أو الاجتماعية التي لم يحصل لي شرف معرفتها والقراءة عنها إلا عن طريق صفحات الساركازم المصري.

عِلاوة على ذلك، الساركازم المصري كيفما كان نوعه، سواء صفحة رياضية أو سياسية أو ثقافية أو إجتماعية أو غيرها، يجدُ فيه المتتبع كل جديد، كل الأخبار المهمة تجدها هناك في قالب ساخر، هناك العديد من الشخصيات البارزة في الساحة السياسية أو الرياضية أو الاجتماعية التي لم يحصل لي شرف معرفتها والقراءة عنها إلا عن طريق صفحات الساركازم المصري.

ستبقى مصر المصدر الأول للضحك بين العرب، كانت تُصدره فيما مضى عن طريق جُرعات قليلة، في شكل سينما ومسرح، وها هي اليوم تصدره عن طريق صفحات مجانية، تتيح لنا فسحة من الضحك وسط هذا الركام الذي بات يعيش فيه العرب.

شكرا مصر، قد أكدتم ما اتفق عليه تولستوي والعقاد: كل فن مصدره الشعب يسود، وكل فن مصدره البلاط يزول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.