شعار قسم مدونات

مطر مؤجل

blogs التأمل

وأبصرتك من بين النايات ومن بين الأغنيات كلحن حزين فوجدتك بعيد أنت كبعد الناي الذي تعزفه تتغلل الروح ولا يمكن لمس نوتاتك، ربما أنا من لم يتمكن من لمسها. قلبي أسود مليء بالثقوب، ثقوب تشبه ثقوب ناياتك لكنه يبتلع كل الأشياء من حوله خصوصاً تلك التي تقترب منه وان عادت الأشياء منه لا تعود سليمةً ابداً تعود مثقوبة بعدد ثقوبه. 

لا أحسن توديع الراحلين ولا أجيد انتظارهم، ثمة فراغ في النفس فراغ ينتمي للراحلين يبتلعنا أكثر مما نتخيل، فهل هناك رحيقٌ يبقيهم دون رحيل، رحيق للحياة، رحيق للأمل يا زيد؟ هل تعلمين كم مضى من العمر كي يكون عمرا؟ هل تعلمين كيف تذوب حبات المطر لتولد الأرض من جديد؟ وكيف يموت القمر شوقا للشمس ولا يبوح؟ 

هل تعلمين مدى اشتياقي واحتراقي؟ وأي منبعث من عشقك أنبعثه من جديد؟ وكل الطرقات مسدودة وكلها تقود لعينيك، وأني بسبيل الغريبين لا أعرف إلاك وطنا، وإني بسبيل المترفين لا أملك إلا حبك، وإني بسيل المغرمين الهائمين على درب الياسمين. 

وأنت التي لا تشبهك الأشياء، لا الأشياء الصغيرة ولا حتى الأشياء الكبيرة أنت التي لا تشبهين أيا من هذه الأشياء فأنت وحدك نبض للحياة وأنت يا من تسكنين بين الضلوع، وحدك من يملك كل رحيق، وتسألينني عن رحيق؟ أي رحيق هو يا حنين أهو رحيق الأحياء أم رحيق الأموات أم ما تبقى للزهر من رحيل.
 

تذوب الأرض شوقا وتموت عشقا لبعده عنها في الصيف، ترتفع درجات حرارتها شيئا فشيئا لتظمأ أكثر فأكثر، ومن ثم يشققها ويمزقها كل هذا العطش الجفاف القحط والبعد، ومن طول البعد تحزن الأرض حزنا شديدا فتمرض ثم تصفر أشجارها

فلا تسأليني عن حزني ورحيقي فأنا من أصحاب الحزن الدفين، لا يعرف سوى البكاء الصامت والأنين، بكائي أصبح أغنياتي التي لا تعرف إلا اللحن الحزين، وشهقاتي عزف على أوتار نهر يصب من مآقي العيون، ومن مثلي ما ذاع له خبر ولا أتاك بالخبر اليقين. اعذريني يا حنين، اعذريني، لا تنتظري مني ما لا أستطيع فعله.

تزوجها بزواج مؤجل لأهله لم يعترف بها أمامهم لأنها بالنسبة إليهم أجنبيه وعلى الرغم من أنها عربيه إلا أنها لا تحمل جنسيته فهم لن يقبلوا بها وكعادته يغادرها ليغيب عنها عاما كاملا ويعود إليها شهرا أو اقل من ذلك وهي ولأنها تحبه تظل منتظرة له طوال عام كامل، بلا ملل أو كلل، حتى يعود ليرحل كما المطر بلا استأذان.

وفجاه يسقط المطر قطرة قطره يعكر صفو الزجاج يوقظ المجانين يمنح عشاقه الحياة، مطر خفيف يلامس الروح، ثم مطر قوي يلامس شغاف القلب، ومطر بلا مطر موحل في الذاكرة.  ثم يمضي كأن شيئا لم يكن، يمضي بعد أن أزهر في الوجود، يرحل جارا غيومه ونوره برقا وصوته رعدا وصمته حزنا، يترك للأرض والسماء اشتياقا جافا بغيابه، تلك السماء الزرقاء التي أنبتته في رحمها، وهذه الأرض التي تعشقه بعطش السنين والأعوام التي تمر. 

الأرض التي انتظرته طويلا بلا صبر، والتي تصبح بعد حضوره خضراء زاهية بزهور منه متألقه بثمار حُبه، يرحل عنها بعد أن خلف فيها حب سنين وحبل أشهر لتنجب الأرض ثمارها بعد أن يمضي. تحمله الشمس على الرحيل فيتلاشى من السماء ويتأكد الصيف بحضوره أن لا يبقي له أي أثر في السماء ومن خروجه منها، حمله على الرحيل مزق غيومه محى صوته وأطفأ النور بعينيه، أحزنه حزنا شديدا على فراق أرضه وسماءه فيقرر ألا يعود ثانية.

يعود للأرض ليروي ما لا ينطفئ من عشق سنين وعطش أعوام، ومن ثم يعود ليرحل من جديد. هو يزورها خفيفا كالمطر كالحلم ويرحل لا يعلم ما يترك عليها من خيبات وألم

تذوب الأرض شوقا وتموت عشقا لبعده عنها في الصيف، ترتفع درجات حرارتها شيئا فشيئا لتظمأ أكثر فأكثر، ومن ثم يشققها ويمزقها كل هذا العطش الجفاف القحط والبعد، ومن طول البعد تحزن الأرض حزنا شديدا فتمرض ثم تصفر أشجارها. 

يخشى الصيف عليها فيبدأ بالتراجع عن موقفه قليلا فقيلا ثم يختفي، تنتبه الشمس لها فتندم على ما فعلته بها فتبتعد شيئا فشيئا حزنا عليها وحباً بها، ولكن المطر لا يحضر حتى تبدأ أوراقها بالسقوط ورقة ورقة.  يرق لحالها فهو لا يحب منظرها بلا أوراق، تناديه الأسماء والسماء وتوسع له الأماكن ليأتي ليرسم أحلامه ويزهر فيها من جديد، ثم يأتي من جديد ليظهر فيها يعود له صوته و نوره ثم تعود له غيومه، وتعود لها الحياة.

يعود لها يعود للأرض ليروي ما لا ينطفئ من عشق سنين وعطش أعوام، ومن ثم يعود ليرحل من جديد. هو يزورها خفيفا كالمطر كالحلم ويرحل لا يعلم ما يترك عليها من خيبات وألم، هو متأكد من حبها له وهو يعلم بأنه يحبها، لكن ضعفه من مواجهة موجات الصيف في كل مره منعته من البقاء قربها في كل مرة وجعلته يؤجل الأمور لتبقى هي معلقه، ويبقى هو مجبرٌ على الرحيل كما المطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.