شعار قسم مدونات

فليغادر القاعة من لا يحترم الوطن

مدونات - السعودية

تداول المجتمع السعودي قبل عدة أيام مقطعا للأمير فيصل بن بندر، أمير منطقة الرياض، في حفل تخريج دفعة من طلاب جامعة شقراء، عاتب في المقطع الأمير عددا من الحضور الذين لم يقفوا احتراما للنشيد الوطني، قائلا في عتابه: "الذي لا يحترم الوطن فليغادر القاعة." وبعيدا عن وجوب الوقوف للنشيد الوطني من عدمه، يبقى مفهوم الوطن غامضا لدى البعض. لذلك، يتعين علينا أن نعرّف الوطن قبل أن نطلب من الجميع احترامه. فما هو الوطن؟

كانت المملكة العربية السعودية قبل تأسيسها مكونة من عدة قبائل، متفرقة ومتنازعة فيما بينها. وكانت تلك القبائل المتفرقة بمثابة دويلات ذات طابع سياسي، حيث تحكم تلك الدويلات أسر، وتستمد تلك الأسر سلطتها من التفاف القبيلة حولها ومبايعة أبناء تلك القبائل لهؤلاء الأسر، والذين يُعرَفون بشيوخ القبائل. وحين هم الملك عبدالعزيز بتوحيد المملكة تحت راية الإسلام، اجتمعت تلك القبائل حوله، بين محارب ومساند، إلى أن تم تأسيس المملكة عام ١٩٣٢م تحت راية لا إله إلا الله.
 

وعند تأسيس المملكة لم تعد تلك القبائل تشكل عبء على وحدة الوطن، بل أصبحت القبائل نفسها جزء من نسيج، بل أساس، هذا الوطن. وتحول الانتماء إلى القبيلة من انتماء سياسي يصحبه سلطة إلى انتماء اجتماعي وثقافي يكمّل هذا الوطن ويجمّله. وعبر الزمن، اكتمل نسيج الوطن وتوسعت دائرته إلى أن أصبح هذا الوطن شاملا لجميع المذاهب والأعراق. ومن ينظر إلى المسؤولين الذين قاموا ببناء المملكة والحفاظ عليها عبر تاريخها يعلم مدى صحة هذه الفرضية: فقد مر على المملكة وزراء وسفراء من جميع القبائل، والعوائل، والمناطق، والمذاهب. وإن كان لهذا التطور الاجتماعي في المملكة دلالة، فإنما يدل على أن المملكة تسع لكل شخص يشاركها مصلحتها، همها وفرحها.

في الدول المتقدمة تكمن العلاقة بين المواطن ووطنه عبر الممثلين السياسيين والضرائب المفروضة على المواطنين: أنت تدفع ضريبة إذا أنت مواطن. لذلك، يجب علينا أن نعرّف مفهوم الوطن قبل أن نطالب المواطنين باحترامه.

ادعائي بشمولية المملكة يقودني إلى الحديث عن حادثتين لشخصين معروفين: الأول صحفي والثاني من رواد وسائل التواصل الاجتماعي. أما الصحفي، ففي لقاء مباشر معه، تهجم بكل فخر واعتزاز على مواطن سعودي آخر، حتى بات يشكك في وطنيته، حيث قال: "خذا الجنسية مدري شلون أخذها!" هذا الإقصاء لمن منحته الدولة الثقة يدل على خلل في فهم الوطنية والمواطنة، ويدل أيضا على عدم توافق بين المواطن والدولة في تعريف الوطن، والأخطر من ذلك أنه يدل على عدم الثقة في الدولة وقراراتها! حيث لا يحق لأي شخص، كائنا من كان، أن ينزع الوطنية عن مواطن آخر، بصرف النظر عن أصله أو مذهبه، فهذا قرار أمني يخص الدولة وحدها ولا يجوز للأفراد الخوض فيه.
 

أما الحادثة الثانية، وهي أقل حدة وجرأة، بل أعلم أن منبعها خيّر، كانت عندما نادى أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المجتمع السعودي بكافة مذاهبه للصلاة في مسجد واحد، يضم الشيعة والسنة، كردة فعل للتفجيرات الإرهابية التي قامت بها داعش ضد إخواننا الشيعة في مساجدهم في وقت مضى. رغم نبل هذا المطلب، لكنني أرفض هذا النهج في حل المشاكل. ضم الطائفتان تحت سقف واحد لا يوسّع دائرة الوطن بل يضيّقه ويوهمنا بأننا كتلة واحدة. ما ضير أن نختلف؟ سنة وشيعة أو أيا كنا: نصلّي في مساجد مختلفة، نؤمن بمذاهب مختلفة، نتحدث بلهجات مختلفة… ألم تقم الدولة على هذا الاختلاف واستطاعت توحيدنا تحت مسمى الوطنية؟ فلماذا ندّعي أننا نسيج واحد؟ نحن مختلفون.

ولو سألني أحدهم عن الاختلاف لقلت إنني لا أرى ضررا في تكفير بعضنا البعض. فليعتقد كل منا ما شاء، إنما الخلل في مترتبات هذا الاعتقاد. فلا ضير أن يكفر السني الشيعي، أو أن يكفر الشيعي السني، أو أن يكفر المتدين اللبرالي طالما حفظت لنا حقوقنا المدنية وقمنا بواجباتنا الوطنية اتجاه هذه الأرض ومن عليها.
 

بفهم بسيط: يتحدد الوطن وفق حدوده الجغرافية ومكوناته الاجتماعية. لكن هذا لا علاقة له بالوطن الذي كان يقصده الأمير فيصل بن بندر. الوطن بمعناه الأبوي يعني علاقة المواطن بهذه الأرض. ولخصوصية المملكة، لا توجد دلالة واضحة لهذه العلاقة، وهنا يكمن الخلل. ففي الدول المتقدمة تكمن العلاقة بين المواطن ووطنه عبر الممثلين السياسيين والضرائب المفروضة على المواطنين: أنت تدفع ضريبة إذا أنت مواطن. وهذا ليس الحال في المملكة. لذلك، يجب علينا أن نعرّف مفهوم الوطن قبل أن نطالب المواطنين باحترامه.
 

فمن يجيب، ما هو الوطن؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.