شعار قسم مدونات

مهرجان موازين تبذير وتخدير

مدونات - مهرجان موازين

لقد كان المغنين والمغنيات والراقصين والرقصات موجودين حاضرين عبر التاريخ الإنساني وفي كل العصور لكنهم لم ينشئوا حضارة ولا نهضة ولم يرفعوا أمة ولم يبنوا جيلا ذكر بخير من قبل الأجيال التالية، بل كانوا دائماً مصدر تعطيل وتخدير للأمة وعندما يزدهرون فهذه علامة على سقوط هذه الأمة وانحطاطها.

لقد كان سقراط وافلاطون أرسطو هم من صنعوا الحضارة اليونانية وجعلوا لها اسما بين الأمم، وكان الفاربي وابن سينا والغزالي وابن رشد وابن خلدون هم من صنعوا الحضارة الإسلامية وجعلوا لنا وزنا بين الأمم، لقد كان فولتير وإيمانويل كانط وديكارت وجان جاك رسو من صنعوا النهضة في أوروبا ولم يكن أي منهم مغنيا ولا رقاصا بل كانوا فلاسفة.

يقال هذا الكلام ونحن قريبين من مهرجان السيئ الذكر "موازين"، وعلى مشارف انطلاق سيل من هذه المهرجانات، فبينما الغلاء والمرض والبطالة والجهل والفقر يأكل في جسد الأمة المغربية نجد أموال تنفق بسخاء على هذه الحفلات. إن هذا المهرجان واخواته سم زعاف يسقى للأمة المغربية فلا هو يزكي فضيلة ولا يحفظ جيبا.

الإعلام المغربي يفسد المجتمع ويضع أفكار خاطئة وقيم فاسدة داخل عقول الشباب، صحيح أن أناس من هذا الصنف لا يزعجون حكما لكنهم في المقابل لا يصنعون مجدا.

إن مال أي أمة هو دم أي جسد وإن الساهرين على هذا المهرجان وأخواته يأخذون الدم من الأعضاء الفقيرة وهم الشعب ويعطونه للأعضاء الذين يملكون الكثير منه وهذا عمل لا أخلاقي ويتنافى مع العدالة. عندما تكون فقيرا معدما مريضا لا تجد علاجا، عاطلا لا عمل لك، متخلفا، وتجد أحدهم يدعوك لكي ترقص وتغني فاعلم أنك أمام دعوة خائن، أمام مستخف بك يريدك أن تبقى غائبا عن الواقع المرير الذي تعيش فيه، إنه بكل بساطة يلهو بك!

كان الخليفة العباسي المأمون يقوم بترجمة الكتب العلمية -كتب أرسطو ولينيوس- ويعقد المناظرات بين نحوين والمناطقة وبين الفلاسفة وعلماء التوحيد، فشاع العلم في عصره وشاعت النماذج المشجعة على النجاح بين العامة فكانت النهضة. أما نحن في المغرب فنعقد مهرجانات لهو ورقص ونبث أفلام الخلعة وننشر بين العامة قدوات سيئة غير جديرة بالاحترام فنقوم بتسويقها على أنهم نجوم.

إن الإعلام المغربي يفسد المجتمع ويضع أفكار خاطئة وقيم فاسدة داخل عقول الشباب، صحيح أن أناس من هذا الصنف لا يزعجون حكما لكنهم في المقابل لا يصنعون مجدا. بعد كل هذا يبرز مشكل في العدالة، فهذا المهرجان يمتص أموال كبيرة جداً وكلها تأتي من جيب دافعي الضرائب وهم الشعب طبعاً والشعب يحتاج إلى تعليم في المستوى ويحتاج إلى الصحة إلى درجة أن على المريض أن يقطع مسافة 400 km إلى العاصمة لكي يتعالج من بعض الأمراض الفتاكة ويحتاج إلى وظائف لأبنائه ويحتاج ويحتاج.. لكنها لا تعطي له شيئا من هذا في مقابل الأموال التي أخدتها منه على شكل ضرائب، إنما تعطيه رقصا وغناء وغلاء في الأسعار!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.