شعار قسم مدونات

لا بدّ من ذلك

مدونات - الانقلاب

بعد انقلاب الجيش في مصر على الرئيس محمد مرسي بدأت أسطوانة خطيرة تدور في الإعلام وتعاطى معها الكثيرون من معارضي الانقلاب للأسف!! هذه الأسطوانة المشروخة تدور فكرتها حول تحميل الضحية مسؤولية الجريمة! تراخت الأنفاس الثائرة ضد الخيانة والخداع الذي مارسه الجيش وتصاعدت الأصوات التي تجلد الضحية وتلوم المظلوم!!

لذلك كان لابد لنا من تثبيت بعض المسلمات والحقائق:
1- الجيش المصري يسيطر على مقدرات مصر ويحكمها بالقوة والهيمنة ويخضع شعبها ليضل تابعاً لأمريكا ومحافظاً على مصالحها ونفوذها في المنطقة.

2- المجلس العسكري اضطر لإزاحة مبارك ليحافظ على الخدعة الكبرى التي كان يعيشها الشعب المصري وهي أن الجيش والشعب يدٌ واحدة وأن هذا الجيش العظيم هو جيشهم الوطني المخلص لمصالحهم والحامي لأرضهم.

المسار السلمي للثورة بمصر أسقط الخدعة الكبرى التي لم يكن من السهل إسقاطها لو استمرت الثورة في مواجهة الجيش ولبقي عدد كبير من الشعب يلوم قيادة الثورة أنها دفعتهم للصدام مع جيش مصر العظيم الذي كان يعلن النوايا الحسنة.

3- كان أمام الإخوان والمخلصين من الثوار خياران لا ثالث لهما: الأول هو أن يستمروا في المسار الثوري والصدام مع الجيش ومطالبة المجلس العسكري بالتنحي أيضا. والثاني هو أن يقبلوا بالمسار الديمقراطي الذي طرحه الجيش واستعد من خلاله لتسليم الحكم لرئيس مدني عبر الانتخابات..

4- لم يكن الخيار الأول سهلاً حتى لو كانت قيادات الثوار والإخوان يعلمون أن الجيش مخادع ويجب أن يرحل مع مبارك حيث أن طبقة سميكة من قيادات الجيش والشرطة والقضاء والإعلام هم وعائلاتهم منتفعون من هيمنة الجيش، والمعركة معهم معركة مصيرية لن يسلموا بها بسهولة.. لكن المشكلة ليست في صعوبة هذه المعركة بل في استحالة إقناع الشعب وحشده ضد المجلس العسكري والجيش في ظل خدعة الجيش الكبرى التي يؤمن بها غالبية الشعب، وكذلك فإن الشعب لن يذهب في مسار ثوري يدفع في الدماء والشهداء في حين أن الجيش يلوح له بمسار سهل يسلم فيه السلطة ويمنحهم الحرية وهو الذي خلصهم من مبارك الذي كان رحيله هو مطلب الثوار الأول والأهم.

5- كان لابد للثورة أن تقبل بالخيار الثاني حيث أن فيه احتمال النجاح والوصول للحرية بثمن زهيد ودون صراع أو دماء. والاحتمال السيء في هذا المسار هو أن يخدع الجيش الثورة وينقلب عليها.
 

6- الذين يلطمون اليوم على هذه النتيجة المتوقعة للانقلاب على الثورة كان عليهم أن يعلموا أن مقومات الثورة لم تزل موجودة، فالشعب الذي ثار في البداية على ظلم الدولة بقيادة الجيش ومبارك قادرٌ أن يثور على الجيش مرة أخرى.

7- الفائدة الكبرى من المسار السلمي للثورة هو أنه كشف الجيش المخادع وكشف الثوار المزيفين، أسقط الخدعة الكبرى التي لم يكن من السهل إسقاطها لو استمرت الثورة في مواجهة الجيش ولبقي عدد كبير من الشعب يلوم قيادة الثورة أنها دفعتهم للصدام مع جيش مصر العظيم الذي كان يعلن النوايا الحسنة ويدعي أنه يريد الحفاظ على مؤسسات الدولة.

الجيش بمصر كان سينقلب عاجلاً أم آجلاً، كان لابد للجيش أن يواجه الثورة فليس هناك حل وسط بين خيار حرية الشعب وواقع هيمنة العسكر، فلا يمكن أن تقبل تلك الطبقة من المنتفعين أن يتنازلوا عن مكتساباتهم.

9- نجح مرسي والإخوان في السير في المسار السلمي للثورة نجاحا باهرا حيث لم يقدموا أي فرصة للجيش لإسقاطهم وإجهاض الثورة تحت عنوان آخر غير عنوان الانقلاب الذي كان الجيش يحاول أن يتحاشاه، وقد بقي الجيش يحتفظ بخيار الانقلاب كخيار نهائي اضطراري حيث حاول أولا أن ينتصر في إيصال مرشح الجيش "أحمد شفيق" للرئاسة، ثم بعد ذلك حاول إسقاط رئيس الثورة الدكتور مرسي عبر القضاء؛ حيث حاول توريطه في أحداث يضطر فيها الرئيس لإعطاء أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين "أحداث قصر الاتحادية" ثم فشل الجيش أخيرا بإظهار انقلابه على أنه ثورة شعبية.

9- الحقيقة التي يجب أن لا نسقطها من أي تحليل أو مراجعة لمسار الثورة هي أن الجيش كان سينقلب عاجلاً أم آجلاً وأنه لابد للجيش أن يواجه الثورة فليس هناك حل وسط بين خيار حرية الشعب وواقع هيمنة العسكر، ولا يمكن أن تقبل تلك الطبقة السميكة من المتنفذين والمنتفعين أن يتنازلوا عن مكتسباتهم التاريخية بسهولة.

10- الثورة اليوم هي أكثر نضجاً وأكمل نقاءً والأمور أشد وضوحاً، ومسار الحرية اليوم بات شاخصاً للعيان، فعلينا أن نتوقف عن جلد الثوار المخلصين الذين أوصلونا إلى هذا الوضوح وجنبونا مسارات الغموض والفوضى التي غرقت بها الساحات الأخرى..

وفي الختام أقول سلام عليك يا دكتور مرسي.. سلام عليك يا دكتور محمد بديع يا من قلت الكلمة الأقوى والأصعب في هذه الثورة المباركة "سلميتنا أقوى من الرصاص". سلام عليكم جميعا سلام عليك يا رابعة وسلام على شهدائك الأطهار..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.