شعار قسم مدونات

الموت تحت الاستجواب في الأردن

مدونات - سجن الأردن
بعد سبع صباحات منذ اليوم الأول الذي تم توقيفه فيه بمركز أمن الجيزة جنوب الأردن تعرض لحالة إغماء مباشرة نقل على إثرها للمستشفى وما لبث أن فارق الحياة. بهذه اللحظات المفجعة كان الموت يركض عَجِلاً إلى رعد الذي لم يكمل ربيعه الثامن عشر. فقد توفي على يدي رجال الأمن أثناء استجوابه لانتزاع اعترافات منه على إحدى القضايا المتهم بها، فأي جحيم هذا الذي تعرض له، وأي بشاعة شهدتها عيناه الخائفتان من بطش أناس يملكون "وجوه بشر وقلوب ذئاب"؟!

يروي ذوو الفتى وقلوبهم يعتصرها الألم والحسرة على فقدان ابنهم بأنّ سبب الوفاة ناتجٌ عن الضرب المبرح وأنّ رعد قد تعرض للتعذيب الممهنج بشكلٍ يومي على مدار أسبوعٍ من قبل أفراد البحث الجنائي، وأنّ هناك شهوداً على ذلك. ويعضد هذه الرواية تقرير الطب الشرعي "بوجود عدد من الكدمات والسحجات على مختلف مناطق جسده". فلا نارٌ هناك دونما دخان. وليس في الفجيعة ما هو أقسى من غياب من نحبّهم عن الدنيا.

يبدو أنّ الأشخاص هم أكبر من القانون، ويتداول الأردنيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي طرفة في ذلك بأنّ الإمارات تسعى لجلب جبلين جليديين من القطب الشمالي في حين أنّ الأردن لم تستطع جلب فاسد واحدٍ لمحاكمته.

ويبدو أنّ هذا الدخان وهذه النار قد تكررت في حالات مشابهة وقعت داخل المراكز الأمنية، أو مراكز الإصلاح والتأهيل، التي من المفترض أن تؤهل الموقوفين وتصلحهم لا أن تقتلهم -ربما دون قصد- أو تهينهم وتذلهم في وطنهم ذلك الوطن الذي هو روح الإنسان وكرامته فإذا ما أهين فيه المواطنون لم يبق لهم منه شيءٌ وهو الجدار المنيع الذي يحمي الأرواح من الانهيار أو الموت.

لا أحد أكبر من الدولة
تفاعل الناس على شبكات التواصل الاجتماعي مع قضية رعد وأصبحت رأياً عاماً، يتداولونها بنوع من الاستنكار والشجب والتقريع، فقد عدّوا ذلك إساءة لكل الأردنيين وأن ما حدث هو خالٍ من أي إنسانية وبعيدٌ كل البعد عن المهنية التي يجب أن يتحلى بها رجال الأمن في تعاملهم مع المواطنين. وقد فتح ذلك الأمر الباب أمام الناس على عدد حالات القتل لدى مراكز التوقيف، وعلى ظروف الاعتقال والاستجواب التي يخضع لها المتهمون.

على إثر ذلك -اللغط- سارعت لجنة أمنية مكونة من أطباء شرعيين وحقوقيين بالعمل لمعرفة حيثيات القضية وسبب الوفاة، وعلى الفور أصدر مدير الأمن العام أحمد الفقيه قراراً بإيقاف كل من شارك بالتحقيق مع رعد، كانت الشمس حينها قد أرسلت أشعتها فغمرت قلوب الأردنيين بعد أن كان الظلام قد خيّم وتربّع. لقد تم إيقاف ثمانية ضباط وضباط صف إثر توجيه عدد من التهم إليهم، من أبرزها الضرب المفضي إلى الموت بالاشتراك خلافاً لأحكام المادة (330/1) من قانون العقوبات وبدلالة المادة (76)، وانتزاع الإقرار والمعلومات خلافاً لأحكام المادة (208/1)، والإيذاء المقصود خلافاً لأحكام المادة (334/1)، وغيرها من التهم .

لقد أنصف القانون ذوي رعد، خاصةً وأنّ الأردن يحارب ويكافح كل أشكال التعذيب انطلاقاً من احترام حقوق الإنسان وكرامته، وقد أكّد على ذلك المنسق العام الحكومي لحقوق الإنسان في رئاسة الوزراء باسل الطراونة بأن متابعة حيثيات القضية يعتبر قراراً نوعياً ويحقق سيادة القانون في دولة المؤسسات التي ترتقي بأنظمتها وقوانينها لحفظ كرامة الأردنيين مشدداً بهذا المجال أن لا تهاون في تطبيق القانون ولا إفلات من العقاب.

تعدد الأسباب والموت واحد
صحيح، أنّ هذه الإجراءات قد تمّت بالفعل لكن هناك آخرون يعتبرون ذلك ما هو إلا تنفيسٌ عن الرأي العام الذي تفاعل مع القضية، وأنّ هذه الإجراءات ما هي إلا للاستهلاك المحلي، وأنّ ملف القضية سيطوى ويوضع في الأدراج كغيره من ملفات الفساد التي تلقي بثقلها سلباً على الدولة الأردنية وأبرزها ملف الفساد الاقتصادي.

يكابد الأردنيون ويلات الانهيار الدراماتيكي للاقتصاد، ولا يوجد هناك أي أفق أو حتى بصيص أمل لمعاجلة هذا الانهيار، فالعجز في الموازنة بلغ إلى الحد الذي لا يمكن تداركه إلا بسجن المتورطين في قضايا الفساد.

منذ ما يزيد عن عقد ونصف العقد يكابد الأردنيون ويلات الانهيار الدراماتيكي للاقتصاد، ولا يوجد هناك أي أفق أو حتى بصيص أمل لمعاجلة هذا الانهيار، فالعجز في الموازنة بلغ إلى الحد الذي لا يمكن تداركه إلا بسجن المتورطين في قضايا الفساد والتي أسماؤهم معروفة لكل الأردنيين، وهذا الأمر استعصى حتى على هيئة مكافحة الفساد ومجلس النواب، ويبدو أنّ الأشخاص هم أكبر من القانون، ويتداول الأردنيون عبر شبكات التواصل الاجتماعي طرفة في ذلك بأنّ الإمارات تسعى لجلب جبلين جليديين من القطب الشمالي في حين أنّ الأردن لم تستطع جلب فاسد واحدٍ لمحاكمته وإرجاع الأموال التي سلبها من خزينة الدولة.

من المحزن المبكي أن وزير المالية عمر ملحس في اجتماع اللجنة المالية لمجلس النواب بتاريخ (6/12/2016م) قال بأنّ الأردن يحتاج إلى 450 مليون دينار لسد العجز في موازنة (2017م)، ليرد عليه أحد النواب: "بدنا نجيب الـ 450 مليون دينار لو بنشلح المواطن" ؟!! وعلى هذا المنوال وبدلاً من الحلول الحقيقية والجذرية يتم زيادة رواتب الفئة العليا من موظفي الدولة بدلاً من زيادة الموظفين العاديين في ظل غلاء المعيشة وازدياد معدلات البطالة.

بهذا يبدو أنّ الموت الذي يفر منه الأردنيون متعدد الأشكال والألوان، وهو موتٌ قادم من مختلف المجالات سواء أكانت أمنية أو اقتصادية أو اجتماعية، وعليه فإنّ على المخلصين من أبناء هذا الأردن الوقوف في مواجهته والتصدي له ونشر كل قيم الحياة وإلاّ فإنّ الصمت على الجريمة شراكة فيها، وأنّ الدائرة تدور على الجميع ولن تستثني أحداً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.