شعار قسم مدونات

القول شامخ والفعل ركام

blogs - ناس في الشارع
أمتنا الإسلامية اليوم تواجه تحديات جسيمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وفي نظري أن التأثير على هويتنا الإسلامية من خلال ما يبث في الفضائيات أو عبر شبكة الإنترنت هو أهم تحدٍ يلزمنا مواجهته، لذلك نحن في أمس الحاجة إلى مسلم منسجم مع فطرته مدرك لسلوكه، محافظ على توازنه وفق معطيات المنهج الإسلامي لكي يستطيع مواجهة هذه التحديات.

من هذا المنطلق تكمن خطورة المفارقة بين الأقوال والأعمال، تناقضا نراه على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة سواء، أب ينصح ابنه بأنه يجب عليه أن يخفض صوته في حضرة أمه وأن يسمع لها ويطيع، بينما هو يضرب زوجته التي هي أم أولاده إن لم يجد الطعام حاضرا في موعده، ومدير ينتقد موظفيه على تباطؤهم في قضاء حوائج المواطنين، بينما هو يمارس خلال وظيفته السلوك نفسه، ورئيس يخطب في الناس عن الديمقراطية والحرية وأفعاله قصف للمدن وحرق للأرض وقتل للنفس، ورجل يعارض السلطة الحاكمة على ممارستها الاستبداد وقمعها للحريات، بينما هو لا يشاور زوجته ولا يعتد برأي أولاده، ولا يهتم بنصيحة زملائه وجماعة رفاقه، وداعية يحث الناس على قول الحق ولا يخشون لومة لائم، فإذا ما وقعت الواقعة جبنا عن الكلام وتخاذلا عن نصرة الناس.

يفقد التناقض بين القول والعمل ثقة الإنسان في نفسه، فلا يستطيع أن يتحمل مسؤولية أي عمل يوكل إليه، كالدعوة إلى الله مثلا، لأنه يشعر أن ما يقوله لا يطبقه على نفسه.

إن المفارقة بين ما يقوله إنسان وبين ما يفعله، ازدواجية اعتبرها الإسلام خداعا في السلوك الإنساني وتلونا ذم الله تعالى به بعض عباده المؤمنين قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ). 

والمتأمل في ممارسات الناس اليومية يستطيع أن يحصر ظاهرة ازدواجية السلوك لسببين رئيسين، إما عدم اقتناع حقيقي وصادق بما يقوله الإنسان، ويبشر به بمعنى أن لسانه يناقض ما هو مقرر في عقله وراسخ في قلبه، وهذه الحالة من الانفصام السلوكي حذر منها الإسلام في مثل قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ).

وإما أنه مؤمن بما يقوله ويدعو الناس إليه، لكن إرادته ضعيفة أمام الشهوات وهمته متدنية أمام الأهواء، فلا يلتزم بما يقوله، وقد حذر الله تعالى في كتابه الكريم، من مثل هذه النماذج، فقال تعالى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). وسواء كان سبب الازدواجية عدم اقتناع أو ضعف إرادة، فإن كلاهما له أضراره البالغة.

التناقض بين القول والعمل ظاهرة خطيرة، حتى المشتغلون بالوعظ والتوجيه والتدريب وتنظيم حياة الناس وإرشادهم من دعاة وكتاب ومفكرين، لا يسلمون من الوقوع فيها، وكأنها فجوة في طريق مظلم.

على مستوى الفرد: 
حيث يفقد التناقض بين القول والعمل ثقة الإنسان في نفسه، فلا يستطيع أن يتحمل مسؤولية أي عمل يوكل إليه، كالدعوة إلى الله مثلا، لأنه يشعر أن ما يقوله لا يطبقه على نفسه، فيمتنع عن التوصية بمعروف أو النصيحة بترك منكر، فيحرم بذلك نفسه من الأجر، ويحرم الآخرين من الإرشاد.
 
على مستوى المجتمع:
ما من مجتمع إنساني إلا وله مقومات ثلاثة تعارف وتفاهم وتكافل، متى توافرت فيه كان متماسكا كالبنيان المرصوص، فإذا ما ازدوجت السلوكيات فأصبح الرجل يقول في حق أخيه الغائب كلاما سيئا عنه، وفي حضوره يقف له احتراما ويتواضع له ويلين بين يديه أو يتقرب منه لأجل مصلحة شخصية، فإذا ما انقضت ابتعد عنه كأن لم يغن بالأمس، فحينئذ تنعدم الثقة بين أفراد المجتمع الواحد وتهتز الصفوف وتمتلئ القلوب كراهية.
 
إن التناقض بين القول والعمل ظاهرة خطيرة، حتى المشتغلون بالوعظ والتوجيه والتدريب وتنظيم حياة الناس وإرشادهم من دعاة وكتاب ومفكرين، لا يسلمون من الوقوع فيها، وكأنها فجوة في طريق مظلم ليس فيه مصباح منير، وهذا غير صحيح، فالإسلام قد بين معالم الطريق وأرشد إلى كيفية السير فيه كي لا تنزلق الأقدام وتنحرف عن الهديىالمستقيم، وأهم هذه المعالم الفهم والإخلاص والجهاد والتضحية، فلو أدرك الإنسان طبيعة دوره في هذه الحياة وأخلص في القيام برسالته فإنه وبلا شك سيكون متسقا مع ذاته ولن تكون أفعاله في واد وكلامه في واد آخر، وكذلك إذا جاهد شهوته وهواه، فإنه يوما ما سيرى في دنيا الناس ما يؤمن به ويتمناه. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.