ارتبط مفهوم "الصوم" في أذهاننا كمسلمين بشهر رمضان المعظم، حيث فيه طاعة لله وتربيةً وتهذيباً للنفس واخضاعها لإحساس المعاناة والجوع الذي يعاني منه آخرون، خلال ال 29 أو 30 يوماً في رمضان تبذل العطايا وتزدهر روح المشاركة ويُجتهد فيه بالطاعات. وأيضا يشمل الصيام المستحب في بقية الشهور الأخرى.

أما تعريف الصيام بشكل عام هو الرغبة في الامتناع أو الحد من تناول بعض أو كُل الطعام أو الشراب، أو كليهما، لفترة من الزمن. أيضا قد يشمل الامتناع عن الجماع أو الكلام أو النوم إلى آخر ما يمكن أن يصوم عنه الإنسان لأي سبب من الأسباب الفكرية والحياتية، مثل الصوم المطلق "الصيام الجاف" وهو الامتناع عن تناول المواد الغذائية والسائلة لفترة محددة. أيضاً صيام الماء يسمح بمياه الشرب ولا شيء آخر. وقد تكون أنواع الصيام الأخرى مقيدة جزئيا، مما يحد من الأطعمة أو تناول المواد المحددة فقط. لذا نجد أن الصيام أو الصوم كفعل امتناع عن تناول الطعام والشراب قد أخذ أكثر من طابع تطبيقي: صوم عبادة، صوم الصحة، والصوم السياسي.

الصوم مفهوم ديني
يعكس تطبيق الصوم الديني التزام وإخلاص متتبعي الدين أو العقيدة، حيث أن المنع من تناول الطعام والشراب هي وسيلة لتربية النفس وتزكيتها وتحقيقًا للتقوى. ويعتقد الكثير منا ان الصيام هي عبادة حصراً في الإسلام لا في دينٍ آخر، لكن في الواقع أن الصيام عبادة موجودة أيضا في المسيحية واليهودية وفي الديانات الغير سماوية كالبهائية، البوذية، الهندوسية، السيخ والعقيدة الطاوية الصينية، والديانة اليانية الهندية، لكن الاختلاف يظهر في شروط الصيام وعدد أيامه وعدد الساعات والمسموح والممنوع من الطعام وتوقيت الصيام خلال السنة.

"الصوم الكبير" هو أحد فترات الصيام حسب الديانة المسيحية يبدأ في يوم أربعاء الرماد حسب الطقس اللاتيني، أما حسب الطقس الشرقي يبدأ يوم الاثنين. وتستمر فترة الصيام المسيحية إلى حوالي ستة أسابيع قبل عيد القيامة (50 يوماً)، تتنوع تقاليد الصوم الكبير في العالم المسيحي بين الامتناع عن الطعام ساعات محددة أو الامتناع عن ألوان محددة من الطعام، الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وغيرها من الكنائس المسيحية الغربية تفرض على أتباعها انقطاع عن اللحوم ومنتوجات الحليب والأجبان يومي الأربعاء والجمعة، في حين أنّ الكنائس الأرثوذكسية الشرقية وغيرها من الكنائس ذات التقاليد المسيحية الشرقية تفرض انقطاع عن اللحوم لمدة أربعين يومًا.

أما الصوم عند البوذية فإنه يبدأ من شروق الشمس حتى غروبها في أربعة أيام من الشهر القمري يسمونها أيام اليوبوذانا وحرمت فيه مزاولة أي عمل حتى إعداد طعام الإفطار، ولذلك يعمل الصائمون على إعداد طعامهم قبل شروق الشمس.

ويختلف الصوم في الهندوسية بحسب المعتقدات الشخصية لكل فرد، أو بحسب التقاليد المتبعة في كل منطقة، حيث إن أتباع الإله "شيفا" يصومون أيام الاثنين، وأتباع "فيشنو" يصومون أيام الخميس والاحتفالات الدينية، بجانب انتشار صيام يوم الثلاثاء بين الهندوس، كما يصومون تسعة أيام في بداية كل فصل من فصول السنة، وصوم نصف كل شهر قمري وفيه يتناولون الفاكهة والأطعمة النباتية ويمتنعون عن تناول اللحوم ولا يفطرون إلا بعد أن يأتي الهلال الجديد.
 

صوموا تصحوا!
في 2012 عرضت قناة البي بي سي وثائقي بعنوان "كُل، صُم وعِش أطول "Eat Fast and Live Longer) يصور تجربة الطبيب البريطاني د. مايكل موسلي لنظام الصيام، وتوصل بعد هذه التجربة الشخصية إلى أن النظام الغذائي القائم على الوليمة والمجاعة (أي بين الجوع الشديد والشبع الشديد) له آثار قوية على الجسم، مما يقلل من مخاطر أمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطان بسبب تحفيز الصيام "لجينات الإصلاح".

أيضا نشرت مجلة جون هوبكنز للصحة تقريرا عن بحث لاختبار أثر اتباع نظام الصوم على الدماغ، أجرى البحث د.مارك ماتسون، بروفيسور علم الأعصاب في مدرسة جون هوبكنز للطب ورئيس مختبرات علوم الأعصاب في المعهد الوطني للشيخوخة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتوصلت نتائج البحث إلى أن خفض استهلاك الطاقة عن طريق الصيام عدة أيام في الأسبوع قد يساعد عقلك على تجنب الأمراض العصبية مثل مرض الزهايمر وباركنسون بينما يحسن في الوقت نفسه الذاكرة والمزاج.

وأشار ماتسون لإمكانية اختيار الفرد إحدى استراتيجتي نظام الصوم: الأول نظام ال 5:2 أو ما يعرف بالصيام المتقطع Intermittent Fasting وهو أن يقوم الفرد بتحديد كمية السعرات الحرارية ل 500 سعر حراري ليومين في الأسبوع وبقية الأيام الخمسة يتناول فيها أكل صحي في حدود سعرات حرارية معتدلة (2000 سعر حراري للمرأة و2500 سعر حراري للرجل).
 

والاستراتيجية الأخرى هي اتباع نظام غذائي (مقيد الوقت time-restricted)، وهو بأن تتناول وجبات الطعام في فترة واحدة من "ثماني ساعات" يوميا حتى يكون لدى جسمك الوقت الكافي لاستنفاد إمداداتها من الجليكوجين، وبدء حرق الدهون، وإنتاج الكيتونات. وأظهرت دراسات حيوانية أن كلا النظامين يتشابهان في التأثيرات المرجوة.
 

الصوم السياسي
أو ما يعرف "الإضراب عن الطعام" وغالبا ما يستخدم الصيام كأداة لإصدار بيان سياسي، للاحتجاج، أو للتوعية بقضية ما. الإضراب عن الطعام هو طريقة للمقاومة غير العنيفة التي يسارع فيها المشاركون كاحتجاج سياسي، أو لإثارة مشاعر الذنب، أو لتحقيق هدف مثل تغيير السياسة. يتضمن الصوم الروحي المعتقدات الروحية الشخصية مع الرغبة في التعبير عن المبادئ الشخصية، وأحيانا في سياق الظلم الاجتماعي.

يشهد التاريخ شخصيات وجماعات محتجة قامت بالإضراب عن الطعام لتحقيق مطالب وكان التغيير الذي لحق الإضراب تاريخياً، ولكن للأسف منهم من خسر حياته مقابل تحقيق هذه المطالب، من أشهر قصص الإضراب:

– في الهند البريطانية، جاتين داس (الذي صمد حتى الموت) وبهجت سينغ الذين كانوا في اليوم 116 من صيامهم، في 5 أكتوبر 1929 أن بهجت سنج ودوت تخلى عن إضرابهم (متجاوزا الرقم القياسي العالمي 97 يوما للإضراب عن الطعام الذي تم تعيينه من قبل ثوري الإيرلندي).

– يعتبر ألماهاتما غاندي من أشهر المناضلين في التاريخ الذين استخدموا سلاح الإضراب في سبيل حصول الهند على استقلالها.

– في معارك استقلال الولايات المتحدة مثلا، التجأت بعض الولايات كفيرجيني ورود وإزلاند وماساشوزيت ابتداء من 1775إلى تنظيم أيام صيام، كان معظم المواطنين يشاركون فيها، للاحتجاج على الاستعمار الإنجليزي.

– في فبراير 2012 بدأ ما يقرب من 1800 سجين فلسطيني محتجزين في السجون الإسرائيلية إضراباً جماعياً عن الطعام احتجاجا منهم على تطبيق الاعتقال الإداري. وتتضمن مطالب المضربين عن الطعام حق الزيارات العائلية للسجناء من غزة، وإنهاء تمديد الحجز الانفرادي، وإطلاق سراح المعتقلين إداريا.

– سامر العيساوي أسير فلسطيني وصاحب أطول إضراب عن الطعام بعد محمد سلطان في التاريخ. شرع العيساوي في إضرابه المفتوح عن الطعام في مطلع أغسطس احتجاجاً على إعادة اعتقاله ومحاكمته بناءً على ملف سري. وبعد إضراب طويل عن الطعام استمر لـ 227 يوماً، استطاع العيساوي تحقيق مبتغاه. فقد قبل بمقترح إسرائيلي ينص على إطلاق سراحه بعد 8 أشهر والعودة إلى القدس.