شعار قسم مدونات

الالتزام والمجتمع

Blogs - hijab1
لا تكاد أذن الشاب الذي قرر أن يطلق لحيته، وأن يظهر على الناس بسمت معين من ذلك النداء: يا شيخ!ولا يكاد يمر عليه يوم بدون سؤال ديني متخصص يسأله له الناس من طلاق أو ميراث أو أحكام خلافية.  ولا تكاد أعين الناس تخطئ تلك الفتاة التي تركت زينة من هن في سنها والتزمت حجابا فضفاضا أو نقابا لا يظهر منها شيء.

ولا يخرج رأي الناس في هؤلاء بين قولين، الأول: من يرى أن هؤلاء الفتية قوم جاوزا القنطرة وصاروا عباد الرحمن المُخلصين، فيصيرون عندهم أهل الفتوى والرأي الرشيد، وإن لم يرِ منه إلا تلك اللحية وفقط، وهؤلاء يصنعون في داخل هؤلاء الشباب وهما كبيرا، فيغويهم الشيطان ويخيل لهم أنهم أهل علم حقا، وأنهم أهل فتوى فعلا، وإن لم يعرف من الإسلام إلا الصلاة التي يؤديها والصيام الذي يصومه.

أشد ما يلاقي هذا الشاب -من أصحاب الفطر السليمة- لوما من نفسه، يظن في نفسه النفاق، وينعت نفسه بالمنافق، فهو بين الناس الشيخ، ولما يركن إلى نفسه فتأمره بالسوء والمعاصي، والحق أن كلنا يخطئ ويصيب، ولم تكن العصمة لأحد من البشر إلا للأنبياء والمرسلين.

الملتزم يخطئ كما يخطئ غيره، لكن الإسلام  حرم التمادي في الذنب دون التوبة منه، وحرم الجهر بالمعصية والدعوة إليها، وحرم سوء الظن بالناس.

والثاني: من يرى أن هؤلاء قوم أحداث، تأثروا بخطاب التشدد والارهاب، لا يكاد يخلو مجلس يحضره من همز ولمز، استعجاب من حاله، استهزاءا بآرائه وإن كانت حقيقة، المهم ألا يعلو له شأنا، وألا يسمع القوم له صوتا؛ لأنه "الشيخ" الذي يقول بحرمة الغناء، وخطورة الاختلاط،، وحرمة الربا، وغيرها مما يُنبذ به هؤلاء الشباب.

وأشد ما يلاقي هذا الشاب -حديث الالتزام- من الاستهزاء والسخرية، فهو المنبوذ دائما، والمُشهر به بين عائلته، فهو عندهم آكل الفتة ومحب القرفة، فيرجع عن التزامه، فيحلق لحيته، ويترك هذا الطريق مطلقا استجابة لشياطين الإنس.

والحق أن كلا الرأيين مخالف للحقيقة، تاركا في نفوس هؤلاء الشباب شوكة في حلقة تنغص عليه حياته، خاصة من ابتدأ الطريق ولم يسر فيه إلا خطوات معدودة. فؤهولاء مثلهم مثل أقرانهم ممن أرادوا طريقا آخرا، رأوا فيه سعادتهم وأنه طريق نجاتهم، وليت المجتمع يتركه وما يعتقد كما يترك هؤلاء الذين استباحوا الحرام، وآتوا الفواحش.

إن المجتمع الذي أظهر صورة الداعية في ذي الجلباب القصير، واللحية الخشنة، والأسلوب المنفر على شاشات السنيما لا يريد أن يعرف الناس صورة أخرى للمتلزمين أو ممن نعتوهم بذلك؛ لأنه يخشى على نفسه من انهيار مبادئه التي قامت على أساس باطل، ولم يكتفِ بذلك بل قام ينادي بتشويه كل تجربة قامت على تلك الأساس، وشحن الناس ضد هؤلاء الشباب.

لما كان كل مجتمع لا يقوم إلا على الشباب أرادوا أن يكسروه، فهم لا يريدون أن يروا شابا ملتحيا مستنا بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن يسير وسط الناس ويخالطهم بخلقه -صلى الله عليه وسلم-، لكنهم يتركون ذلك الشيخ الكهل الذي طال عمره وانقضت وظيفته ولزم المسجد آخر حياته لأنه لا يخالط الناس كثيرا، ولا يفقه كثيرا من جدلياتهم.

الدنيا دار بلاء واختبار، ولعل اختبارا لك أن تصبر على الأذى، فالصبر على أذى الناس أجره عظيم، وكل منا أدرى بنفسه، وكل انسان على نفسه بصير، فإن رفعك الناس إلى الجوزاء فأنت أعلم بحالك، وإن جعلك الناس في السفل فلا يضرك فالله بقدرك أعلم، والله تعالى.

لا يخرج رأي الناس في الشباب الملتزم عن قولين، الأول: من يرى أن هؤلاء الفتية قوم جاوزا القنطرة وصاروا عباد الرحمن المُخلصين، فيصيرون عندهم أهل الفتوى، والثاني أنهم تأثروا بخطاب الإرهاب!

إن الإسلام لم يدعي لأهله الكمال، بل اعترف بكونهم ذوي خطأ، الملتزم يخطئ كما يخطئ غيره، لكنه حرم التمادي في الذنب دون التوبة منه، وحرم الجهر بالمعصية والدعوة إليها، حرم سوء الظن بالناس، وحرم كل ما يُظهر المجتمع بمجتمع سؤء لا يظهر منه سوء المعاصي والآفات.

إن مجتمع المدينة -على كونه أفضل مجتمع عرفه العالم- لم يكن مجتمعا فاضلا بكونه خاليا من المعاصي، بل كان الصحابة يأتون النبي فيقولون له طهرنا من ذنب كذا، ويطبق النبي الحد الذي شرعه الله -تعالى وتقدس-، فكان مجتمعا فاضلا لتشارك المجتمع كله في درء المعصية، والحد منها.

وكانت تربية النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته الرفق بالناس، وحسن الظن بهم، في الطائع والعاصي على السوء، فإنك لا تدري بماذا يختم الله لهم، بل لعلك أنت المفتون بالتزامك وأنتِ المفتونة بنقابك، ولكل مثقال ذرة من كبر على الناس تلقي بصاحبها في النار.

علينا -من نعتونا بالالتزام- ألا نخالف الطريق، وألا ننحاز لطريق الغوى، بل العلم العلم، وأن نكون صورة حسنة بين الناس، لنخالف تلك الصورة التي جعلوها لأصحاب اللحى ولذوات النقاب. وأن نستوصي بالناس خيرا، فهم منا ونحن منهم ولهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.